mercredi 23 janvier 2013





لماذا فشلت المدرسة العمومية في تدريس اللغات؟






 فالإضافة إلى اللغة العربية الفصحى و اللغة الامازيغية المعيارية ،يتميز المشهد اللساني التداولي المغربي،كباقي أقطار المعمور ،بالتنوع و التعدد من رقعة جغرافية إلى أخرى تبعا للتقسيم التقليدي المبني على التوزيع حسب الامتداد الجغرافي للتكتلات اللغوية البارزة ،فنعمد غالبا إلى التمييز بين الفروع الامازيغية الثلاثة ،السوسية في الجنوب و تمزيغت في الاطلس و الريفية في الشمال ،و اللغة العربية العامية(الدارجة )بكل أطيافها و تنوعاتها بالإضافة إلى الحسانية في الصحراء،و يروم هذا التقسيم ،رغم محدودية نجاعته علميا ،إلى رسم صورة عامة و شمولية للوضعية السوسيولسانية الوطنية  دون التطرق إلى الجيوب اللغوية المتاخمة للمناطق اللسانية الكبرى السالفة الذكر،و تشكل هذه الحدود اللغوية نتاج طبيعي لصيرورة التثاقف و الاحتكاك اللغوي على مر التاريخ ،ينضاف إلى هذا التداخل بين اللغات الوطنية ،و بوثيرة متفاوتة ،تأثير اللغات الاجنبية على الرصيد المعجمي و التركيبي و الصوتي المحلي من خلال تضافر عوامل تاريخية و سياسية ،فكانت النتيجة انسلال الدخيل و تبنيه لغويا ليصبح مقترضا مستساغا لسانيا لدى العامة ،فبعض المفردات التي كانت متداولة و تعتبر من اللغة قديما أصبح مردودها التواصلي  اليوم ضعيفا بل ينعدم أحيانا.
يشكل هذا التنوع و هذا التداخل اللغوي جوهر الاشكاليات التي تواجه البحث اللساني و الديداكتيكي الموجه لتدريس اللغات تبعا لوظيفتها السوسيولسانية و موقعها في السياق التداولي المجتمعي ،و يبرز هذا المعطى الواقعي في ضعف جودة تعليم اللغات في المدرسة العمومية و تدني مستوى المتعلمين خاصة في الاوساط الهامشية  ،و لاشك أن هذه الوضعية تطرح ،من خلال مدخلين ،تساؤلات مصيرية بالنسبة للغات الوطنية الهوياتية و مدى قدرة المدرسة المغربية كسب رهان الحفاظ و المحافظة عليها من جهة وعلى التحكم في اللغات الاجنبية باعتبار تعلمها ضرورة حتمية في العصر الراهن ،حيث يتجلى المدخل الاول في الحاجة إلى اعادة توصيف وظيفة كل لغة داخل النسق اللساني الوطني و علاقتها بالفروع اللغوية الاخرى لما لهذه الخطوة من تأثير على الابحاث الديداكتيكية  مضمونا و منهجية ،فإعداد ديداكتيك اللغة ،تبعا لما سبق ،يقتضي في البدء معرفة دقيقة بهذه اللغة ،أما المدخل الثاني فهو مرتبط  بتكييف المقاربات الديداكتيكية مع وظيفة كل لغة و حدود حضورها و امتدادها في المحيط السوسيوثقافي للفضاء المدرسي.
إن تناول بالدراسة  وظيفة اللغة في السياق التداولي المغربي و علاقته بالاجتماعي و الثقافي و السياسي ليس ترفا علميا و لا فكريا  و لا إعادة ميكانيكية لإنتاج الواقع بل هو ضرورة ملحة و يدخل ذلك في مهام الباحثين اللسانيين و السوسيولسانيين المغاربة العارفين للواقع اللغوي المغربي قصد بلورة تصورات واضحة و قابلة للتطبيق ،ذلك ،أن تدريس لغة معينة في سياق يطبعه التعدد اللغوي يحتاج إلى سبر ما تمتاز بها و تصنيفها انطلاقا من مميزاتها ،حيث أن لغة الام في نظر المتعلم الذي تربطه بها علاقة وجدانية وحميمية لها من المواصفات ما يجعلها مختلفة عن اللغة الاجنبية ،و ما يقال عن اللغة الحية المتداولة لا يمكن تطبيقه على اللغة الغير المتداولة اجتماعيا ،و اللغة العربية تعتبر لغة أجنية للتلميذ في اعالي جبال الاطلس أما اللغة الامازيغية فهي لغة أجنية للتلميذ الساكن في الدار البيضاء مثلا ...كلها اعتبارات لابد أن تنال المزيد من الاهتمام و البحث العلمي و لاسيما أن خلاصات هذه الابحاث تعد من الروافد الاساسية لعلم ديداكتيك اللغات.
فمن وجهة نظر الممارس الفعلي و المتخصص ،فإن ديداكتيك اللغات عامة و لغات الهوية خاصة تشوبه مجموعة من الاعتلالات على مستوى المضمون كما على مستوى المنهجية تؤثر سلبا على وثيرة تعلم التلاميذ و تختلف حدتها حسب المناطق وحسب المحيط  المدرسي ،و مرد ذلك ،إلى التنميط و عدم أخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي سبق و أن أثرناها و المتعلقة باللغة و وظيفتها و مدى قربها أو بعدها من الحياة اليومية للمتعلم.
إن افتراض "الوحدة " في انتماءات متعلمي المغرب اللغوية و الثقافية ،و تبني مقاربة تعميمية أثناء وضع ديداكتيك اللغات و توحيد المضمون المعرفي و ما يرافقه من الحوامل البيداغوجيا و اليات التدريس ،يعد تغييب للظروف الثقافية و الهوياتية للمتعلم و ضرب من العبث العلمي في تعليم الناشئة و وجه من أوجه اللامساواة و إهمال مبدأ تكفؤ الفرص بين تلاميذ المغرب في اكتساب و تعلم اللغات ،فإذا كان علم الديداكتيك المعاصر بصفة عامة ذو نزوع إجرائي و برغماتي يتحاشى الاختزالية في التعامل مع الوقائع و الظواهر ذات علاقة بالمتعلم و المادة المعرفية فإن ممارسته ،في الاصلاحات التعليمية ،ظل وفيا لنهجه التقليدي ،في شقه التخطيطي ،القائم على إسقاط نظريات معاصرة على واقع مخالف لمنشئه و بالتالي إبعاد للخصوصيات المحلية.
يرتبط تأهيل تعليم اللغات المدرسية و تحقيق قيمتها الاتصالية و المعرفية  بمدى احترام الخصوصيات الاجتماعية و الثقافية و النفسية للمتعلم من جهة و تحديث الاليات اللغوية المناسبة لكل وضعية تعليمية معينة من جهة اخرى ،و هي مسألة لازالت تثار بشكل محتشم في النقاش الدائر حول أصلاح التعليم و لا تعدو أن تكون عناوين نظرية جافة لم تجد لها طريقها الصحيح نحو التطبيق ،لأن ما يحتاجه ديداكتيك اللغات في هذه الجزئية هو ضرورة تنويع المناهج و الكتب الدراسية و تكييفها مع البيئة اللغوية المحيطة بالتلميذ و ظروف عيشه ،و لهذا بات لزاما التمييز ،في النموذج المغربي ،بين ديداكتيك اللغة الامازيغية الموجه للمتعلمين الناطقين بها و الموجه للغير الناطقين ،و التمييز كذلك بين ديداكتيك اللغة العربية الموجه للتلاميذ الناطقين باللغة الامازيغية و التلاميذ الناطقين بإحدى فروع اللغة العربية العامية ،و لاشك أن تضمين مناهج اللغة هذه الاعتبارات يعد احترام لكيان الطفل و حقه الطبيعي في التعلم بنجاعة و فعالية و احدى اوجه دمقرطة المعرفة و أشكال ولوجها.
بقيت الاشارة ان تعليم اللغة و تعلمها يعد وسيلة و غاية في نفس الوقت ،حيث ان تحقيق الجودة في تدريسها له انعكاسات و امتدادات ايجابية على تدريس المواد الاخرى ،و بناءا على هذه المكانة الاعتبارية يجب أن يحظى ديداكتيك اللغات بالأهمية القصوى لاسيما و أن لغاتنا في الوقت الراهن تتطلب التركيز على الابحاث العلمية و نتائجها في ما يفيدها و يضمن حياتها في ظل العولمة و الصراع اللغوي العالمي ،و تفادي الانزياح نحو تجاذبات اديولوجية عقيمة تفقد اللغات قدسيتها و وظيفتها الطبيعية.

jeudi 17 janvier 2013



تدبير التعدد اللغوي :من المسؤول عنه؟  


لا ريب أن اللغة هي أقدم تجليات الهوية لدى التجمعات البشرية و دليل حي على وجودها و استمرار التفاعل بين أفرادها لما تؤديه من وظائف و أدوار متعددة ترتبط بالأنساق الفكرية و التواصلية  و الوجدانية للمجتمع و ضميره الجمعي ،و لا ريب أيضا أن يرتهن وجود أمة بوجود لغة تحمل خصوصياتها الثقافية و الحضارية و تعكس بأمانة أنماط تفكيرها و تحافظ على موروثها الشفوي و الكتابي المادي و اللامادي ،من هنا تتضح إذن خلفيات تلك الهالة التي تثار حول مسألة اللغة و علاقتها بالمجتمع و اختياراته الماكرو_سياسية والإستراتيجية حيث لا ينظر إلى اللغة على أنها  ذات وظيفة اتصالية فقط بل هي انعكاس مباشر للهوية و التاريخ و الحضارة لما لهذه الاعتبارات من تأثير كبير على الشرعية السياسية الراهنة و اختياراتها ،و لقد جعلت تلك المكانة المهمة من اللغة مسرحا للصراعات الإيديولوجية و الفكرية  و تم تحوير دورها الفعال في الانبعاث النهضوي الشمولي خاصة في الدول ذات التعدد اللساني في غياب سياسة لغوية رسمية تأخذ بعين الاعتبار الاختلاف اللغوي و تنظر إليه على أنه غنى يجب استثماره .
 ولقد دأبت  جل الدراسات الرسمية و الغير الرسمية على تنميط النظرة السلبية حول موضوع التعدد اللغوي و الثقافي و تناوله في إطار مقاربات انتقائية وفق ما تمليه المصلحة و الظرفية السياسية و انعكس ذلك على السياسة اللغوية و تدبير التعدد اللساني عن طريق ترسيم اللغة العربية في الدستور دون أن يماثله تواجد فعلي داخل الحياة العامة و إبعاد المكون الأمازيغي،و شكلت هذه النظرة التقليدية امتدادا لعجز الفعاليات الثقافية بعد الاستقلال  في طرح تصور واقعي يعكس بصدق الوضعية السوسيولسانية للمغرب و أشكال تدبيرها في السياسات العمومية بالإضافة إلى التحولات الاجتماعية و الثقافية التي عرفها المغرب و انفتاحه على دول أخرى يقتسم معها مكونات لغوية مما غذى النزعة الاقصائية تجاه مكونات لغوية و ثقافية أخرى و لا تزال بقايا هذه النزعة إلى يومنا هذا تكافح من أجل البقاء و لم تستوعب بعد هبوب نسمات الحقوق اللغوية و الهوياتية  على كل أطياف المجتمع.
و من تبعات هذه الضبابية في تدبير التعدد اللساني  وعدم تحمل الدولة مسؤوليتها كذلك فتح المجال اللغوي أمام الاستغلال و الاستقطاب الاديولوجي من جهات غير رسمية  ،فظهور الجمعيات لحماية بعض اللغات ما هي إلا نتيجة لهذا القصور،و التجربة المغربية لا يمكن أن تكون استثناءا و منزهة من محاولات جعل اللغة مطية لتحقيق مأرب قومية منغلقة الافق و الوجهة ،تنتفي عنها القصدية الحقيقية  لإصلاح و حماية اللغة ،لهذا فعوض تبريرها للمغزى من تأسيسها عن طريق تسطير خطط ملموسة تصب في مصلحة اللغة في علاقتها مع المكونات اللغوية الاخرى تعتكف هذه الجمعيات على المبالغة في اصطناع الاعداء و بذل مجهودات في محاربتهم ،بل قد يصلوا إلى حد التشويش على ورش الاعتراف الدستوري باللغة الامازيغية و إدماجها داخل المنظومة التربوية و توصيفه بكونه موجه ضد اللغة العربية ،فيبدو المشهد اللغوي المغربي من خلال طرحهم و كأنه صراع بين اللغة العربية و نظيرتها الامازيغية مخالفين بذلك الواقع و المنطق ،و لا شك أن هذا التحريف للنقاش و الجدال يخدم بالدرجة الاولى اللغات الأجنبية و لا يفيد لغاتنا في شيء.
إن تدبير المشهد اللغوي المغربي يحتاج إلى مقاربة شمولية و تشاركية تضع مصلحة اللغات الوطنية فوق كل اعتبار و تهدف إلى تحقيق التوازن و الأمن اللغوي و إعلاء من شأن لغات الهوية  و تسطير استراتيجيات واضحة المعالم تتخذ من المدرسة القنطرة الاولى لإصلاحها و منحها المكانة التي تستحقها ،وإن كنت أصر على الدور المحوري للدولة في هذا الملف إلا أنني لا أنفي أهمية تدخل مختلف الفعاليات في حدود إبداء الاراء و المساهمة في خلق دينامية فكرية و اقتراحية تصب في مصلحة المشهد اللغوي ككل دون إقصاء أو نفي للمكونات الأخرى،فالمتتبع لما تجود به صفحات مختلف الجرائد سيفهم ما أصبو إلى توضيحه ،حيث أصبح الدفاع عن اللغة العربية مثلا لا يتعدى مقالات صحافية تصوب من خلالها أسهم الاتهام في كل الاتجاهات خاصة اتجاه المدافعين عن اللغة الامازيغية و قضيتها المشروعة بكل المقاييس ،و هنا يحق لنا التساؤل ماذا ستستفيد اللغة العربية مثلا من مقالات عاطفية تحمل المسؤولية دوما لأخر دون أن تقدم و لو خطة واضحة للنهوض بها ،هل يلزم النهوض باللغة العربية الدوس على  اللغة  و الثقافة الامازيغية و نفيها و تشويش عليها؟أليست اللغة العربية براء من هذا الاستغلال الفاحش؟،إن اللغات الوطنية ملك لجميع المغاربة و بالتالي فمسؤولية حمايتها تقع على الجميع دون استثناء مما سيقطع حتما الطريق امام كل المحاولات لاستغلالها ايدولوجيا او سياسيا.
 لهذا تتعدى مسألة التدبير اللغوي القناعات و الأهواء الشخصية إلى ضرورة البحث عن اليات عملية تخدم المشهد اللساني ككل ،و هذا ما يتنافى مع تحاول بعض الجهات تصويره و جعله قابل للتصديق من أجل تبرير تواجدها و إضفاء شرعية وهمية على ما تقوم به ،و هي إشكالية لم يعد خفيا خطورتها على اللغات الوطنية حيث تقف حجرة عثرة أمام البحث الحقيقي عن مكامن الخلل و إصلاحها.   



تعميم اللغة الامازيغية : بين مقاربة الأرقام و مقاربة الجودة   


قد تختلف وجهات نظر المتتبعين و المهتمين بالشأن الأمازيغي و قد تتعدد الاراء و المواقف حول تقييم ورش إدماج اللغة الأمازيغية داخل المنظومة التربوية و ما رافق هذه العملية من تحديات و إكراهات على المستوى التخطيط و الممارسة إلا أن هذا التباين يوازيه مبدئيا تقاطع الآراء في كون وزارة التربية الوطنية قد قطعت شوطا مهما في تدبير هذا الملف و اتخذت قرارات فعالة  تروم من خلالها تسريع وثيرة تعميم اللغة الامازيغية افقيا و عموديا قصد توسيع قاعدة المتعلمين المستفيدين منها ،و  يمكن إجمالا تلخيص مجالات تدخل الوزارة في ثلاث محاور،الاول يتعلق بما هو بيداغوجي و ديداكتيكي و تكويني بالتعاون مع المعهد المكي للثقافة الأمازيغية و الشق الثاني يتمحور حول الجانب المادي و التنظيمي دون أن نغفل الجانب التواصلي الذي تسعى من خلاله الوزارة كشف عن قراراتها و توجهاتها في هذا الصدد ،تلكم إذن مقومات مقاربة الوزارة للسياسة اللغوية للأمازيغية داخل المدرسة الوطنية و إن كنا نثمنها فإن الحاجة إلى المضي باللغة قدما تقتضي قراءة بعين نقد بناء لاسيما و أن حجم الآمال المعلقة على الوزارة في هذا الصدد لم توازيها الإجراءات على أرض الواقع خاصة بعد مرور أكثر من سنة على ترسيم اللغة الامازيغية في الدستور.
فرغم ضخامة هذا الورش الوطني و ما يستتبعه من قرارات جريئة و مصيرية فإننا أحيانا لا نلامس  أثر ذلك  في السياسة اللغوية المرتبطة بالأمازيغية هذا إن وفقنا تسميتها بالسياسة اللغوية لما تتطلبها هذه التسمية من تخطيط استراتيجي بعيد و قريب الأمد تعكسها أهداف ملموسة و واضحة و ميزانيات كافية و قرارات فعالة ،مما يثير تساؤلات مشروعة عن مكانة اللغة الامازيغية داخل اولويات الوزارة و مدى جديتها في التعامل مع هذا الملف دون أن يثنينا ذلك عن ربط هذه السياسة بغياب وعاء قانوني تنظيمي إلزامي تتحمل الحكومة مسؤولية تأخر إخراجه إلى الوجود ،و تبقى المسؤولية الملقاة على عاتقنا كمهتمين بالشأن الأمازيغي تقديم وجهات نظر وملاحظات و تقييم لواقع اللغة الامازيغية داخل المنظومة التربوية  انطلاق من قناعة  راسخة بأن أي تشخيص موضوعي يجب أن يأخذ في الحسبان أن :
_ بعض الدراسات( المتعلقة باللغة الأمازيغية) يعاب عليها تغليبها للمقاربة العددية و الكمية في تقييمها للمشاريع و الخطط المسطرة حيث يطغى المنطق الشكلي في تعبئة الاستمارات و التركيز على الإحصائيات الرقمية مقابل إهمال لأهمية النجاعة و الفعالية و التحقق الفعلي لهذه المعطيات ،و لا ننكر دور الارقام في  إضفاء الموضوعية على الدراسات و بالتالي تحديد الحاجيات بشكل دقيق غير أن هذا الإجراء لا يجب ان يتم على حساب معايير الجودة.
_ الاراء و الاحكام ذات البعد الإيديولوجي لا يمكن لها أن تعكس الصورة الحقيقية للغة الامازيغية داخل المدرسة المغربية باعتبارها تحاول بتعسف كبير وعن طريق قراءات مضللة للمعطيات تعزيز مواقفها السلبية و ادعاءاتها تجاه الامازيغية دون أن تستوعب ذلك التحول الجذري للنقاش العمومي من شرعية و إمكانية إنجاح مشروع تدريس اللغة الأمازيغية إلى التفكير في أساليب تطوير و تجويد الورش بعد أن أثبت بواكير التجربة (2003) عن نتائج مشجعة.
هي إذن مبادئ تجنبنا التيه وسط تلابيب المغالطات و الجدال العقيم و نحن نبحث عن تشخيص واقعي و موضوعي في أفق تحديد الأولويات و تقديم ملاحظات  نابعة من صميم التجربة.
أولها ،و رغم المستجدات لا زال الطابع الإستئناسي للغة الأمازيغية في الميثاق الوطني للتربية و التكوين  يخيم بظله على معظم المخططات التربوية الاقليمية و كذلك على صعيد المدارس ،حيث يقتصر أحيانا على حث الاساتذة بإدراجها داخل استعمالات الزمن مما يكرس إجراءات شكلية تذر الرماد على العيون و تثير تساؤلات حول مغزى حث بعض الأساتذة على الإقدام على هكذا الأجراء رغم معرفتنا المسبقة بكون الأستاذ لن يدرسها ،مما يعزز ما أثرته في البداية  من عدم توفر الوزارة على استراتيجية واضحة المعالم لاسيما أن منطق الترقيع بما هو متوفر لن يحقق النتائج المنشودة .
ثانيها،أن اللغة الأمازيغية لا زالت في السياسة التربوية الإقليمية و على صعيد المدارس  تعامل على أنها ضيف جديد ليسوا مستعجلين في حسن ضيافته و يعكس هذه الفرضية عدم وجود اهتمام باللغة الامازيغية ضمن أولوياتها ، و قد يقتصر الأمر أحيانا على اجتماعات في بداية السنة الدراسية لتذكير بضرورة تدريس اللغة الامازيغية و تخصيص لها حيز زمن معين ووووو,,,,دونما إجراءات صارمة و ملزمة و ملموسة ،و لسنا هنا بصدد التعميم ،حيث يسجل بارتياح كبير الأشواط التي قطعتها بعض النيابات و اخرها التعميم الكلي لتدريس اللغة الأمازيغية على صعيد نيابة ميدلت و المبادرة المهمة لنيابة اقليم خنيفرة في إصدارها لمذكرة محلية لاختيار و انتقاء أساتذة مؤهلين و قادرين على تدريسها كما ينبغي.
ثالثها ،جعل اللغة الأمازيغية ضحية مشاكل متراكمة على صعيد النيابات الإقليمية ،سوء توزيع للأطر التربوية ،اكتظاظ في المناطق الحضرية و النقص المسجل في العالم القروي ،نهج سياسة الهدنة عند كل بداية لموسم دراسي جديد بين النيابة و النقابات التعليمية ،كلها إذن عراقيل معقدة و صعبة يجب الاعتراف بها و لكن لا يستساغ للنيابات التعليمية في أي ظرف كان و لا يجوز لها  الاحتجاج بهذه الإشكالات لتأخير التفكير الجدي حول تعميم اللغة الامازيغية إقليميا  و اختيار الأطر المؤهلة لتدريسها و تجنب الحلول الترقعية من قبيل تكوينات قصيرة المدة دون متابعة مستمرة أو إسناد الامازيغية لأساتذة لحل إشكالية الفائض.
و لهذا ،فإذا كان رهان توسيع قاعدة التلاميذ المستفيدين من تدريس اللغة الأمازيغية رهان مستعجل و ملح فإن الجودة كذلك مطلب ضروري بل وإجباري ،إذا علمنا أن طبيعة مرحلة تقعيد و تأهيل اللغة المدرسية المعيارية تتطلب مقاربة بنائية و تراكمية تتأسس على قواعد صحيحة  ،فالمدرسة ليست منغلقة على ذاتها لغويا بل هي قاطرة لتداول اللغة الأمازيغية المعيارية على نطاق واسع في باقي مناحي الحياة العامة (الإدارات،الإعلام.... )،من هنا تبرز بإلحاح ضرورة إعطاء أهمية قصوى للغة الأمازيغية داخل أجندة السياسية التربوية للوزارة الوصية وجعلها من أولوياتها.  

lundi 24 décembre 2012



 نحو قراءة جديدة لفلسفة التربية
                       
لا شك أن التربية موضوع خصب شغل الفلاسفة و المهتمين بالشأن التربوي ،و ظل منذ القدم محط خلاف و تجاذب فكري بين مختلف العلماء و التيارات و التوجهات الفكرية و الفلسفية شأنه في ذلك شأن باقي المواضع التي تنتمي إلى العلوم الإنسانية التي تقارب عادة بمنطق نسبية الحقيقة ،و باعتبارها ظاهرة لصيقة بالإنسان فقد وفيت حقها كميا على الأقل من البحث و التمحيص و النقد و تكونت مدارس فكرية متعددة حاولت و لازالت تحاول أن تبلور تصورات حول مكانة الإنسان داخل المجتمع و ماهية التربية في ظل التحولات الاجتماعية و الثقافية و المعرفية وعن القيم و الاتجاهات التي نريد تمريرها للناشئة و عن النظم و الطرائق المنهجية  للتعليم و غيرها من المواضع ذات الصلة بالتربية ،و لعل الطبيعة الفلسفية  لهذه المواضع جعلتها من صلب اهتمامات الفلسفة بكل أطيافها و تخصيص لها فرعا فلسفيا يدعى فلسفة التربية (حديث التكوين بالمقارنة مع الفلسفة ذاتها ومع بعض العلوم الأخرى المرتبطة بالتربية)يتخذ التربية موضوعا له و يقاربها فلسفيا و ابستومولوجيا و مفاهيميا و إجرائيا.
 إن فلسفة المجتمع تبحث عن فهم عميق لحياة أفضل للإنسان و تقديم التصورات  والغايات و المثل العامة حولها عن طريق فلسفة التربية التي تضمن عادة استمرارية القيم و المعتقدات الفكرية و الايدولوجيا للطبقة السياسية  و تحدد الملامح  الشخصية المراد توفرها في الإنسان مستقبلا ،مما يدل على أهمية و خطورة فلسفة التربية في البناء المجتمعي ثقافيا و علميا و سياسيا و فكريا و دورها في إصلاح المنظومة التعليمية و الاجابة عن تساؤلات راهنة تمس البنية الفكرية و الأخلاقية للمجتمع حيث أضحت مدخلا أساسيا  للتغيير و الخروج من الازمة التي نعيشها ،فما هو دور  فلسفة التربية في إصلاح المنظومة التعليمية ʕو كيف تساهم في بناء مجتمع عصري متقدمʕ
يمكن القول جزما أن المنظومة التربوية الوطنية تعيش أزمة مركبة تتفاقم و وضعيتها يوما بعد يوم رغم المشاريع الإصلاحية المتتابعة  و التي  طغى عليها الطابع  المنهجي   و الإجرائي و إغفال البحث و التنقيب عن أساليب التدبير المتوازن يوفق بين الغايات العامة للمجتمع و الوضعية الحالية كمنطلق للتخطيط مع أخذ بعين الاعتبار المتغيرات الفكرية و الاجتماعية و الثقافية و الحقوقية بناء على مقاربة نقدية لذات المجتمع بالمقارنة مع إنجازات الأمم الأخرى ،مما يلح على ضرورة إحياء دور فلسفة التربية ،ذلك الوعاء الفكري و التنظيري المرشد للسياسات التربوية من خلال طرح الاشكالات المجتمعية في علاقتها بالنمو المعرفي و العلمي و التأصيل القيمي و التشبع بروح الانفتاح على الاخر و احترام التعدد الثقافي و اللغوي و تطوير ملكات النقد و البحث العلمي ،هذه الاشكالات المتنوعة باتت تؤرق مضجع المجتمع و تشكل تحديات حقيقية أمام السياسيين و المثقفين و الفلاسفة  والمهتمين بالتربية.
بشكل عام تتمحور اهتمامات فلسفة التربية  حول طبيعة الإنسان نفسه باعتباره المستهدف  في علاقته بطبيعة الحياة التي ينبغي أن تفضي إليها التربية  و بطبيعة المجتمع لكون التربية سيرورة اجتماعية وبطبيعة  الحقيقة التي تروم المعرفة النفاذ إليها ،و من هذا المنطلق يمكن أن تتبلور و تتضح الرؤيا حول مفهوم فلسفة التربية و دورها في التوفيق بين مختلف العلوم المرتبطة بالتربية وبناء تصور عام يكون بوصلة يحدد وجهة المخططات التربوية لخدمة المصالح العليا للمجتمع و ليس لطبقة بعينها ،لهذا ففلسفة التربية مطالبة من خلال المختصين بإعادة قراءة جديدة لمفاهيمها و مواضيع اهتماماتها في ظل المتغيرات الحديثة و إعداد تصور شامل و متكامل يتخذ  العلم و العقل  ركيزتين أساسيتين و يهدف إلى تكوين مواطن قادر على تجاوز المثبطات الداخلية و الخارجية و تحقيق تصالح المغربي مع ذاته الحضارية و التاريخية و الهوياتية و الاعتزاز بها ،من خلال تناول هذا الفرع الفلسفي لمواضع و إشكالات معاصرة بعقلية نقدية و موضوعية.
إذا كانت فلسفة التربية تعوزها الموضوعية و التجرد من الخلفيات  الاديولوجية
الفكرية في العقود السابقة فإنها اليوم تنعم بانفتاح نسبي يؤهلها لإعادة صياغة تساؤلاتها و أولوياتها و العمل على:
_تبوئ الفكر العلمي مكانة ريادية في السياسية التربوية لأهميته الكبيرة في التأصيل لمرجعية مجتمعية متقدمة تتعامل مع كل المستجدات بنوع من النقد و التمحيص قبل استدماجها و إضفاء عليها الشرعية ،و يعلمنا هذا المبدأ مثلا احترام التخصص العلمي إسناد الأمور إلى أهلها ،والتيقن قبل إصدار الاحكام ،و نبذ نشر الإشاعات مجهولة المصدر،و التعامل بمنطق الأفعال و ليس ردود الأفعال ،و يوفر علينا الوقت الذي نصرفه في نقاشات عقيمة لا تسمن و لا تغني ،و يعلمنا كيف نخطط للمستقبل و نثير مواضيع استراتيجية و مصيرية تهم المصلحة المشتركة ،فالتفكير العلمي يعد وقاية و معالجة لقضايا اجتماعية و فكرية و ثقافية أرهقت كل المحاولات الاصلاحية و ساهمت في استفحال التخلف.
 _بناء الثقة لدى الانسان المغربي  في نفسه أولا و ثم في ثقافته و هويته و انتمائه مما سيقوي حتما الضمير الجمعي للمجتمع دون السقوط في الاعتزاز الاجوف و الاعمى و الانغلاق حول الذات،إن الثقة التي أتحدث عنها لا يمكن ترسيخها بالشعارات و الكلام المعسول مما قد ينجم عنه انفصام الشخصية لاختلاف  المعاش عن المأمول،بل يجب ان توازيها إصلاحات حقوقية و اقتصادية تلامس اثارها على أرض الواقع ،ففقدان الثقة بالمفهوم الذي أثرته يغذي الشعور بالانهزامية النفسية و يشجع على تبادل الاتهامات بين الطبقات و الانتماءات الثقافية حول المسؤول عن تخلفنا و يتم ذلك بعيدا عن مقاربات منهجية علمية تتغي الحقيقة دون خلفيات و نوايا مبيتة.
_ضرورة ترسيخ لثقافة الاختلاف و احترام الاخر،و تتجلى أهمية هذا المبدأ خاصة في المستجدات السياسة  و ما أتى به الدستور من تغييرات جوهرية و التنصيص على التنوع اللغوي و الثقافي للمغرب و ترسيم اللغة الأمازيغية ،و رغم أن هذا المستجد السياسي المتأخر قد حسم مسألة كانت إلى وقت قريب محط تجاذب إيديولوجي و فكري بين دعاة الاعتراف بالثقافة الامازيغية و رواد إيديولوجية تمتهن الإقصاء و نفي الاخر فإن يعض الكتابات لازالت تنبش في الموضوع و تضييع الوقت و الجهد في أمور حسمت من كل الجوانب ،تؤدي ثقافة احترام التعدد(اللغوي و الثقافي)إلى غنى و قوة محفزة المضي قدما نحو الرقي و التطور.
تعد فلسفة التربية الأصل و المرجع لكل إصلاح جدي عن طريق إثارتها لمواضيع تهم مصير العملية التعليمية و بالتالي مصير الإنسان و مصير الحضارة و الثقافة المغربية بخصوصياتها و تنوعها ،مما يحتم ضرورة الاهتمام بها و إعطاءها الأولية في الدراسات و الأبحاث العلمية و جعلها مصدرا ينهل منه القائمين على المجال التربوي.




        






المثقفون الجدد



حين تتصفح و تتطلع على القيمة العلمية لما يكتب في المواقع الإلكترونية فإنك لا تحتاج إلى كثير من الفطنة و
 الفهم و النزق لتستشف أن واقع الحال يدل على تردي الاوضاع الثقافية والفكرية لبعض الكتابات ،فقد غابت الرزانة العلمية في الكتابة و الرواية ،و رحلت بعيدا الكلمة الهادفة و رحل معها الصدق في الكلام و التحليل و الإخلاص في الاخبار و ايصال المعلومة ،ففتحت الأبواب لكل من هب و دب ليقول ها أنا ذا موجود ،فقد غيب صوت ذلك المثقف الرصين و المبدع الأمين و الحريص على الحق و المفكر الهادئ و الهادف في تفكيره ،فبرز إلى السطح مثقفين على حين غرة من أهل الثقافة و الفكر فحجبوا الصورة عن اهل العلم و التخصص و تصدوا للتفلسف و الإفتاء في كل شيء إلا أن يفتوا في حالهم ،إنه حال المتثاقفين الجدد على وزن المتعالمين و المتطفلين و قد نسميهم مثقفي الاثارة و يجوز كذلك تسميتهم مثقفون على مقاس أو مثقفون بدون حقيبة على غرار بعض وزرائنا الأعزاء.
المثقفون الجدد يسهل التعرف عليهم فسماهم في كتاباتهم ،إنهم يحاولون أن يغوص في مواضع تدغدغ مشاعر الكثير من القراء ،يمارسون الماركوتينك لاستقطاب إعجاب الاخرين من خلال اختيار عناوين مثيرة و مغرية توحي للقارئ بأن الاتي في النص سيغني عن قراءة مئات الكتب و المجلات ،يدعون أنهم الملجأ الوحيد للمعرفة المطلقة وغيرهم ضال و جاهل.
و لكي أبلغ المراد و أوضح المبتغى و المنشود من رسالتي فإنني مضطر للاستشهاد بمثال حي و ملموس حتى تنكشف لنا الرؤية  و سيسعفنا في ذلك مثال ينبش فيه كل آت من فج عميق باحثا عن شهرة سريعة و إثارة مجانية و رخيصة تعفيه عن سهر الليال من أجل العلم و التعلم و لو كلفه ذلك عدم احترام اختيارات الاخرين و ثقافتهم و هويتهم و لغتهم دونما اعتبار للملة و الدين ،لقد أخرجت   القضية الامازيغية من جب عميق أناس غابرين كانوا إلى وقت قريب نكرة ،أخرجتهم إلى الوجود على الساحة الثقافية (على مقاس)و عوض رد جميلها بدؤوا بجلدها ،لقد أكستهم و لنقل اكتسوا  منها حلة المثقف الفلاني و المفكر الفلاني و الباحث الفلاني و المهتم الفلاني.....و المتطفل الفلاني....لقد أصبحت شغل من لا شغل له و مأوى أمن لكل يتيم من أب فكري و أم ثقافية و عابر سبيل أخطأ طريق العلم الموضوعي والبحث العلمي الحقيقي ،إنها باتت مادة دسمة يدهن بها المثقفون الجدد أيديهم و ريشتهم لتسهل عليهم عجن سمموهم و تقديمها إلى القراء في صورة أفكار غيورة على الوطن (ما أغيرهم )و أفكار علمية صادقة و أراء نقد بناء ،إنهم أناس تملكهم حب الظهور فأعماهم بصيرتهم فأثروا التضليل و الإثارة على البحث العلمي الدقيق و احترام المنهجية الصحيحة و مقارعة الدليل بالدليل و الحجة بالحجة.
فما معنى أن يتقدم مثقف جديد فيتصدر لإفتاء في واقع الامازيغية فيخون المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بترسانته العلمية و الباحثين المتخصصين في كل المجالات و يتهمه بالتقصير و التسرع و التعصب وووووو...........و يجلد اللغة الامازيغية المعيارية دون أن يفهم معناها (المعيرة المتعددة : إدماج الخصوصيات الفرعية داخل نموذج أو معيار يشكل مرجعا للكل في التواصل الكتابي و الشفوي ) و يتطاول على الحرف الأمازيغي تيفيناغ دون معرفة تاريخه(و هنا أفتح القوس لأشير لأغرب ما قرأت حيث كتب أحدهم نصا و عنونه بسؤال :هل تيفيناغ حرف مغربي ؟و على هذا المنطق ستتخلى جميع الدول عن الحرف اللاتيني لصالح فرنسا....و هل للحرف موطن رسمي أصلا ) و نتائج علم الآثار الذي لا تحكمه  الأهواء الشخصية و لا أملاءات الاديولوجية المقيتة ،و ينكر على المطالبين بتدريسها و يدعوهم بالمتعصبين و أصحاب المصالح الشخصية و العملاء للصهاينة و.....و.....إنه يتوفر على من تيكيتات من كل الأصناف و المقاسات من الاتهامات و الاحكام يوزعها لمن يشاء وقت ما شاء ،فلله في خلقه شؤون.
فهل إجادة استعمال اللغة و محاسن الكلام و بدائعه يمنح الأهلية لكل مثقف جديد ليكون ملما  بخبايا كل شيء فينكر و يخون و يصوب و يفتي.....و كأن العالم كله جاهل في حاجة إلى علمه ،أليس هذا من صميم الجهل ذاته ( أخطر الجهل جهل النفس و حقيقتها و مقامها العلمي أكبر الجهل جهلكأكبر افيث كتب أحدهم نصا و عنونه بسؤال ...و يجلد اللغة الامازيغية المعيارية دون أن يفهم معناها (ت)،ألم تحسم المسألة الأمازيغية و كل ما يتعلق بها و قال المختصين و أهلها كلمتهم ،فلماذا يحاول المتثاقفون الجدد اجترار الماضي ،و يحاولون إثارة بعض الامور التافهة كقولهم عن غلبة السوسية على اللهجات الأخرى و هذا ادعاء باطل (أنا امازيغي الاطلس و اجد أن لهجتي لا تختلف عن اللغة المعيارية و لا وجود لطغيان لهجة على الاخرين إلا في تفكير بعض المثقفين الجدد).
إن اللغة الأمازيغية قد أخذت طريقها الصحيح نحو المستقبل ،لقد بدأ التدريس بحرف تيفيناغ منذ سنوات و كتبت المؤلفات بالإمازيغية ،و أعدت الميكروسوفت الويندوز بالإمازيغية وووو....بكل بساطة لقد أصبحت اللغة الامازيغية لغة قائمة بذاتها تساير العصر بخطى ثابتة ما دام هناك أوفياء يحبونها و يعملون ليلا و نهارا على تطويرها دون انتظار مقابل سوى أنهم يؤمنون بأن الوعي بالهوية و الذات الحضارية يعتبر حياة لإنسان و للأمة و أن اختلاف الألسن من آيات الله عز و جل في خلقه.
إن اللغة الأمازيغية العريقة بثقافتها و حضارتها و حرفها تيفيناغ لا تحتاج إلى نصائح مسمومة مبنية على أحكام مسبقة.


dimanche 16 décembre 2012




عندما تدنس اللغة بالايدولوجيا








إن من أهم مسلمات الأمانة العلمية  تحري الصدق فيما يروى و يكتب، و لن يتأتى ذلك إلا عن طريق كمال العلم و المعرفة و الإدراك بالموضوع، و هي شروط لا تتحقق إلا إذا احترم التخصص العلمي و الفكري و أسند ت الأمور إلى أهلها و ذويها ( أهل مكة أدرى بشعبها ) و بهذا المنطق يعلى من شأن المنهجية العلمية الصارمة و التوظيف السليم لآليات البحث و النقد المفضي حتما إلى نتائج مقبولة  توافق العقل و المنطق في تناغم تام مع الواقع المعاش، عوض التضليل بمحاسن الكلام و بدائع اللغة و العزف على وتر العواطف و دغدغة المشاعر لخدمة إيديولوجية إقصائية  تجعل من الكيان الثقافي و الهوياتي و اللغوي للأخر مرتعا لها  و مادة دسمة  تستدرك به فشلها التاريخي و الوجودي .
و كما يقال لكل مقال مقام، فإن المقام الثقافي و الفكري و السياسي الذي نعيشه هذه الأيام تطفو إلى سطحه كتابات تريد أن تحيي جدلا قد حسم علميا و فكريا و دستوريا  و تحاول أن تصطاد في المياه العكرة في أفق أن تجد لنفسها موطأ قدم أو بالأحرى موطأ أصبع وسط واقع جديد متقدم يستشرف المستقبل بناء على ما تحقق و يجعل من احترام الهوية  و اللغة و الاختلاف الثقافي عنصر قوة و حافزا لإقلاع في شتى المجالات ، هذا المد التشويشي على ورش إدماج اللغة الأمازيغية داخل نسق الحياة العامة يحمل أكثر من دلالة و يزيل اللثام عن ما ستره الجو السياسي العام الذي كان سائدا و كشف الأقنعة عن الرافضين للتعدد اللساني الذي يعد من ايات الله في خلقه و حقيقة واقعية، و قد اتخذ هذا التشويش عدة مظاهر و اعتمد على فرضيات يعتبرها علمية أحيانا و إيديولوجيا في أغلب  الأحيان و فيما يلي ادعاءاتهم :
  معيرة اللغة الأمازيغية خطأ كبير
 و أقول إن مشروعية معيرة اللغة الأمازيغية (المعيرة المتعددة : إدماج الخصوصيات الفرعية داخل نموذج أو معيار يشكل مرجعا للكل في التواصل الكتابي و الشفوي ) مستمدة من الدراسات العلمية المتخصصة(اللسانيات ,اللسانيات الاجتماعية ,.....) التي تراكمت منذ عقود، و من  وضعيتها السوسيولسانية حيث أن  تدريس اللغة الغير المعيارية في سياق متعدد اللغات و اللهجات تواجهه إكراهات لسانية و سوسيولسانية،  إلا أن هذا التدبير اللغوي ( معيرة اللغة الأمازيغية ) يطرح إشكالية ازدواجية لغة الناطقين  بين اللغة المتداولة داخل الفضاء المدرسي و في الإعلام(اللغة المعيارية) و بين اللغة المتداولة داخل الفضاء الأسري (اللهجة المحلية) و هو  إشكالي تعاني جل  لغات العالم في انتظار عامل الزمان للتخفيف من أثاره و لعل  السياسية اللغوية التي تنتهجها الدولة هي الضامنة و الحاسمة في إنجاح هذا المشروع المجتمعي من خلال إعادة النظر في مقاربتها للغة الأمازيغية في الحقلين التربوي والإعلامي و تفعيل مضمون الدستور بسن و شرعنة قوانين منظمة.
و أغرب ما قرأته  في هذا الصدد مقالات يستدل كتابها بشهادات و أقوال لمفكرين في مجالات لا  تمت للغة الامازيغية بصلة و يجعلونها منطلقا لرأيهم و تصورتهم و يتهمون المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بالتقصير و الاستعجال متناسين أنها مؤسسة مختصة و منشئة بظهير و سخرت لها كل الإمكانيات بما فيها الموارد البشرية المتخصصة (فقهاء اللغة الامازيغية،  اللسانيين ، علماء الاجتماع ).
حرف تيفيناغ ليس حرفا أمازيغيا
و هنا يتبادر إلى الذهن سؤال تلقائي : ما هو الحرف الأمازيغي إذن ʕ قبل ان أسوق ما يتعلل به المناهضون لحرف تيفيناغ سأحيلكم دون تفصيل لضيق المقام على دلائل كون تيفيناغ حرف أمازيغي .
تيفيناغ هو الخط الأمازيغي الأصيل، ويمتد  إنتشاره من شمال السودان إلى جزر الكناري وصقلية والأندلس شمالا وتؤكد  الدراسات والأبحاث اللسانية والأركيولوجية والتاريخية أن اللغة الأمازيغية من بين أقدم اللغات التي عرفها التاريخ، حيث تؤكد العلامات الطوبونيمية أن تاريخ إختراعه يرجع إلى5000سنة قبل الميلاد و كانت الأبجدية الأمازيغية في مراحلها الأولى تتكون من 16حرفا صامتا وصارت 23 في عهد المملكة الأمازيغية النوميدية المازيلية والتي كان ماسينيسا أبرز ملوكها ،ثم أضيفت إليها في زمن متأخر حروف “صائتة” تسمى بالأمازيغية “تيدهاكين , كان الأمازيغ القدماء يكتبون بهذه الحروف على جدران الكهوف والصخور وقد تركوا لنا على الصفائح الحجرية ما يزيد عن ألف نقش فيها ما هو مصحوب بترجمته ألاتنية أو البونية في كل من الجزائر وتونس  و المغرب.... يساير انتشار الكتابة الأمازيغية التوزيع الجغرافي لمواقع النقوش الصخرية في بلاد الأمازيغ، ففي المغرب تتوزع انطلاقا من “فكيك” “شرقا” إلى “أوسرد” بالصحراء المغربية جنوبا مرورا بمواقع الأطلس الكبير ومنطقة درعة والأطلس الصغير ومنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب، وأكبر تجمع لهذه الكتابات الأمازيغية يوجد بموقع تيزولين وفم الشنا بمنطقة “درعة”. ويرى الباحثون أن أقدم الكتابات بالمغرب هي كتاب “غزيب ن ييس” التي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد على أقل تقدير
هناك من يسمي الحروف الأمازيغية  ”تيفيناغ” “بالتيفيناق” حيث كان يعتقد إلى وقت قريب أنها كتابة فينيقية ظهرت في القرن الثاني قبل الميلاد بفضل “ماسينيسا” ولكن مصطلح “تيفيناغ” يعني بالأمازيغية “اختراعنا” أو “ابتكارنا.

قولهم أن الحرف العربي هو الأنسب
و هنا يريدون أن يمارسوا الوصاية على اللغة الأمازيغية و جعلها عالة على غيرها ˛ منطلقين من أحكام مسبقة تمزج بين العلمي و الإيديولوجي حيث يعتبرون عدم اختيار الحرف العربي بمثابة كره للغة العربية و رفضها مما يدل على غياب المنهجية العلمية في أطروحتهم  فالقول إن الحرف العربي هو الانسب مردود عليهم، لإن الوضعية السوسيولسانية المميزة للمشهد اللغوي المغربي المتعدد لن يؤهل اللغة الامازيغية المكتوبة بالحرف العربي للتمتع بكينونتها المستقلة ، حيث أن غياب الرمز المستقل و المميز لها وسط لغات أخرى يعد تغييب للهوية البصرية و الامتداد المجالي و الزماني و ينذر باندثارها.
إذا كانت تركيا اختارت الحرف اللاتيني للغتها و إيران اختارت الحرف العربي لكتابة اللغة الفارسية فلأن المرحلة الزمنية انذاك لم تعرف سطوة العولمة  بل كانت الدول تعيش العزلة و الانغلاق مما اكسب لغتها المناعة و الاستقلالية ، كما أن هذه الدول لا تتميز بتنوع لساني يهدد اللغة المكتوبة بالحرف الاجنبي بخلاف وضعية اللغة الامازيغية و بالتالي فمن الحكمة تدوينها بحرفها الخاص.

الخلط  بين القضية و الأشخاص
هذه زلة اخرى تنم عن غياب التحليل الموضوعي و المنصف ، فالعقل السليم و المنطق البريء و الفطرة السليقة يفرض وضع الأشياء في مكانها الطبيعي و عدم جلد الامازيغية بمجرد اختلافنا إيديولوجيا مع بعض مناضليها ، أي ان نفرق بين القضية الأمازيغية  باعتبارها قضية شرعية و سلوكيات و فكر  الاشخاص المرتبطين بها ، و هذا عين الصواب .

اعتبار اللغة الامازيغية منافسة للغة العربية
يكتنف الغموض بعض المواقف الرافضة لإدماج  اللغة الامازيغية داخل الحياة العامة ، و خاصة أولائك الذين يعتبرون اللغة الامازيغية المنافسة القادمة لاحتلال مكانة اللغة العربية ، و هذه المواقف و إن اختلفت خلفياتها الفكرية فهي منافية للصواب  إذا علمنا ان أغلب الدول المتقدمة تتميز بالتنوع اللغوي و التعايش الإيجابي بينها و أن هذه الدول لم تجد ضالتها نحو الرقي إلا بعد تسوية الإشكالات اللغوية و الهوياتية و أعطت لمواطنيها الاحساس بالانتماء و الوجود الوجداني و الثقافي و هذه إجابة كذلك للذين يعتبرون ورش الامازيغية ليس بالأولوية في الوقت الحالي.





lundi 10 décembre 2012


 معيرة اللغة الأمازيغية ...اخت استراتيجي

       


أثمر السجال الفكري الكبير و التجاذب الإيديولوجي بين الفعاليات المختلفة الخلفيات و المشارب  غداة انفتاح الموقف الرسمي  على المكون الأمازيغي هوية و ثقافة و لغة عن إجماع سياسي و حزبي و مدني  متمثل في اعتماد حرف تيفيناغ حرفا أمازيغيا وحيدا و الأنسب لتدوين اللغة الامازيغية و التواصل بها ،و تهيئة اللغة من منظور المقاربة المعيارية المتعددة ، و هي مقاربة مفاهيمية و إجرائية تم استعارتها من الدراسات السوسيولسانيات الكورسيكية و تتمحور حول تنوع اللهجات من زاوية الواحد و المتعدد ,و تبلورت الرؤية الإستراتيجية لمستقبل اللغة الأمازيغية و وضعها الاجتماعي انطلاقا من الدراسات المختلفة التي راعها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في إطار الصلاحيات الممنوحة له.
و رغم هذا الحسم الرسمي و الشعبي و الفكري  في شكل كتابة اللغة الأمازيغية(اعتماد حرف تيفيناغ) و  وضعيتها السوسيولسانية في إطار البولينوميا ، لم تسلم هذه الاختيارات الاستراتيجية من انتقادات ذات خلفيات سياسوية بالأساس تتخندق داخل إطار فكري و إديولوجي ضيق الأفق و تخذله  المنهجية العلمية الدقيقة  لإثبات صحة أطروحته ذات طابع تشويشي على ورش إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية و الإعلامية  ، و تحفل  الصحافة الورقية و الإلكترونبة والندوات و المؤتمرات بمثل هذه المواقف التي تغيب عنها الدقة المنهجية و الأمانة العلمية و مبدأ احترام التخصص.
 إن مشروعية معيرة اللغة الأمازيغية (المعيرة المتعددة : إدماج الخصوصيات الفرعية داخل نموذج أو معيار يشكل مرجعا للكل في التواصل الكتابي و الشفوي ) مستمدة من الدراسات العلمية المتخصصة التي تراكمت منذ عقود ، و من  وضعيتها السوسيولسانية حيث أن  تدريس اللغة الغير المعيارية في سياق متعدد اللغات و اللهجات تواجهه إكراهات لسانية و سوسيولسانية   ، إلا أن هذا التدبير اللغوي ( معيرة اللغة الأمازيغية ) يطرح إشكالية ازدواجية لغة الناطقين  بين اللغة المتداولة داخل الفضاء المدرسي و في الإعلام(اللغة المعيارية) و بين اللغة المتداولة داخل الفضاء الأسري(اللهجة المحلية) و هو  إشكالي تعاني منه العديد من لغات العالم في انتظار عامل الزمان للتخفيف من اثاره  ، و لعل السياسية اللغوية التي تنتهجها الدولة هي الضامنة و الحاسمة في إنجاح هذا المشروع المجتمعي من خلال إعادة النظر في مقاربتها للغة الأمازيغية في الحقلين التربوي والإعلامي و تفعيل مضمون الدستور بسن و شرعنة قوانين منظمة .
تتجلى أهمية المقاربة البولينوميا في كونها تسعى إلى إبراز الوحدة اللغوية الأمازيغية مع مراعاة تنوعها النحوي و الصرفي و المعجمي واضعة معيرة اللغة هدفا منشودا في المدى البعيد  ، فمشروع 'معيرة اللغة الامازيغية ' ينطلق من وضعية لسانية تتميز بالتنوع و يشكل رهان التقريب بين فروع اللغة الأمازيغية أولوية للوصول إلى لغة موحدة ، و من حسنات هذا المنظور أنه ينمي المشترك بين  الفروع اللسانية(الوحدة العميقة للغة الأمازيغية) دون إهمال للخصوصيات المحلية مما يجعل كل الناطقين يحسون بانتمائهم اللساني إلى اللغة المعيارية ، و يضمن نجاح المشروع مستقبلا.
إن التدخل في الشأن اللغوي يمكن أن يتم على مستوى اللغة ذاتها (الإملائية  ، النحو...) أو على مستوى وضع اللغة و دورها الاجتماعي أو على المستويين معا ،فاللجوء إلى هذا الإجراء  ليس بدعة مستحدثة بل إن تاريخ اللغات حافل بتجارب  ناجحة متباينة من حيث أشكال و أهداف تدخلها,و لقد اختارت تركيا الحرف اللاتيني للغتها  ، و قامت نرويج بتحديث إملائية لغتها ، و خضعت اللغة اليونانية لتهيئة في النطق و الصرف ،هذه التدخلات في اللغة لا مفر منها نظرا للتعدد اللغوي الذي يطبع جل بقاع العالم  و الاتصال و الاحتكاك اليومي بين اللغات أو بسبب انتقال اللغة من لغة شفوية إلى لغة كتابية  ، و هي وضعية سوسيولسانية تعيشها اللغة الأمازيغية و لولا خصوصياتها لما بقيت حية متداولة ، حيث تتمتع بالقوة الذاتية و الأنا الحضارية الصلبة جعلت منها صامدة لآلاف السنين رغم تواجدها دوما إلى جانب لغات رسمية  تقوت بفضل الحظوة السياسية و الاقتصادية و الثقافية التي منحت لها في إطار ربط اللغوي بالإيديولوجي من طرف الأنظمة الحاكمة منذ الحكم الروماني.

لقد حسم  المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في اختياره بمعية المتخصصين و فقهاء اللغة الأمازيغية و علماء الاجتماع و غيرها من العلوم ذات الصلة و هم أدرى بالقرار ، و بالتالي يتوجب على  كل ناقد احترام التخصص و عدم الإفتاء في أمور بعيدة عن مجال اهتمامه