أثمر السجال الفكري الكبير و التجاذب الإيديولوجي بين
الفعاليات المختلفة الخلفيات و المشارب
غداة انفتاح الموقف الرسمي على
المكون الأمازيغي هوية و ثقافة و لغة عن إجماع سياسي و حزبي و مدني متمثل في اعتماد حرف تيفيناغ حرفا أمازيغيا
وحيدا و الأنسب لتدوين اللغة الامازيغية و التواصل بها ،و تهيئة اللغة من منظور المقاربة المعيارية المتعددة ، و هي مقاربة مفاهيمية و إجرائية تم استعارتها من
الدراسات السوسيولسانيات الكورسيكية و تتمحور حول تنوع اللهجات من زاوية الواحد و
المتعدد ,و تبلورت الرؤية الإستراتيجية لمستقبل اللغة الأمازيغية و وضعها
الاجتماعي انطلاقا من الدراسات المختلفة التي راعها المعهد الملكي للثقافة
الأمازيغية في إطار الصلاحيات الممنوحة له.
و رغم هذا الحسم الرسمي و الشعبي و الفكري في شكل كتابة اللغة الأمازيغية(اعتماد حرف
تيفيناغ) و وضعيتها السوسيولسانية في إطار
البولينوميا ، لم تسلم هذه الاختيارات الاستراتيجية من انتقادات ذات
خلفيات سياسوية بالأساس تتخندق داخل إطار فكري و إديولوجي ضيق الأفق و تخذله المنهجية العلمية الدقيقة لإثبات صحة أطروحته ذات طابع تشويشي على ورش
إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية و الإعلامية ، و تحفل الصحافة
الورقية و الإلكترونبة والندوات و المؤتمرات بمثل هذه المواقف التي تغيب عنها
الدقة المنهجية و الأمانة العلمية و مبدأ احترام التخصص.
إن مشروعية
معيرة اللغة الأمازيغية (المعيرة المتعددة : إدماج الخصوصيات الفرعية داخل نموذج
أو معيار يشكل مرجعا للكل في التواصل الكتابي و الشفوي ) مستمدة من الدراسات
العلمية المتخصصة التي تراكمت منذ عقود ، و من وضعيتها
السوسيولسانية حيث أن تدريس اللغة الغير
المعيارية في سياق متعدد اللغات و اللهجات تواجهه إكراهات لسانية و
سوسيولسانية ، إلا أن هذا التدبير اللغوي ( معيرة اللغة الأمازيغية )
يطرح إشكالية ازدواجية لغة الناطقين بين
اللغة المتداولة داخل الفضاء المدرسي و في الإعلام(اللغة المعيارية) و بين اللغة
المتداولة داخل الفضاء الأسري(اللهجة المحلية) و هو إشكالي تعاني منه العديد من لغات العالم في
انتظار عامل الزمان للتخفيف من اثاره ، و لعل السياسية اللغوية التي تنتهجها الدولة هي الضامنة
و الحاسمة في إنجاح هذا المشروع المجتمعي من خلال إعادة النظر في مقاربتها للغة
الأمازيغية في الحقلين التربوي والإعلامي و تفعيل مضمون الدستور بسن و شرعنة
قوانين منظمة .
تتجلى أهمية المقاربة البولينوميا في كونها تسعى إلى
إبراز الوحدة اللغوية الأمازيغية مع مراعاة تنوعها النحوي و الصرفي و المعجمي
واضعة معيرة اللغة هدفا منشودا في المدى البعيد ، فمشروع 'معيرة اللغة الامازيغية ' ينطلق من وضعية
لسانية تتميز بالتنوع و يشكل رهان التقريب بين فروع اللغة الأمازيغية أولوية
للوصول إلى لغة موحدة ، و من حسنات هذا المنظور أنه ينمي المشترك بين الفروع اللسانية(الوحدة العميقة للغة
الأمازيغية) دون إهمال للخصوصيات المحلية مما يجعل كل الناطقين يحسون بانتمائهم
اللساني إلى اللغة المعيارية ، و يضمن نجاح المشروع مستقبلا.
إن التدخل في الشأن اللغوي يمكن أن يتم على مستوى اللغة
ذاتها (الإملائية ، النحو...) أو على مستوى وضع اللغة و دورها الاجتماعي أو
على المستويين معا ،فاللجوء إلى هذا الإجراء ليس بدعة مستحدثة بل إن تاريخ اللغات حافل
بتجارب ناجحة متباينة من حيث أشكال و
أهداف تدخلها,و لقد اختارت تركيا الحرف اللاتيني للغتها ، و قامت نرويج بتحديث إملائية لغتها ، و خضعت اللغة اليونانية لتهيئة في النطق و الصرف ،هذه التدخلات في اللغة لا مفر منها نظرا للتعدد اللغوي
الذي يطبع جل بقاع العالم و الاتصال و
الاحتكاك اليومي بين اللغات أو بسبب انتقال اللغة من لغة شفوية إلى لغة كتابية ، و هي وضعية سوسيولسانية تعيشها اللغة الأمازيغية و لولا
خصوصياتها لما بقيت حية متداولة ، حيث تتمتع بالقوة الذاتية و الأنا الحضارية الصلبة جعلت
منها صامدة لآلاف السنين رغم تواجدها دوما إلى جانب لغات رسمية تقوت بفضل الحظوة السياسية و الاقتصادية و
الثقافية التي منحت لها في إطار ربط اللغوي بالإيديولوجي من طرف الأنظمة الحاكمة
منذ الحكم الروماني.
لقد حسم
المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في اختياره بمعية المتخصصين و فقهاء
اللغة الأمازيغية و علماء الاجتماع و غيرها من العلوم ذات الصلة و هم أدرى بالقرار
، و
بالتالي يتوجب على كل ناقد احترام التخصص
و عدم الإفتاء في أمور بعيدة عن مجال اهتمامه
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire