dimanche 16 décembre 2012




عندما تدنس اللغة بالايدولوجيا








إن من أهم مسلمات الأمانة العلمية  تحري الصدق فيما يروى و يكتب، و لن يتأتى ذلك إلا عن طريق كمال العلم و المعرفة و الإدراك بالموضوع، و هي شروط لا تتحقق إلا إذا احترم التخصص العلمي و الفكري و أسند ت الأمور إلى أهلها و ذويها ( أهل مكة أدرى بشعبها ) و بهذا المنطق يعلى من شأن المنهجية العلمية الصارمة و التوظيف السليم لآليات البحث و النقد المفضي حتما إلى نتائج مقبولة  توافق العقل و المنطق في تناغم تام مع الواقع المعاش، عوض التضليل بمحاسن الكلام و بدائع اللغة و العزف على وتر العواطف و دغدغة المشاعر لخدمة إيديولوجية إقصائية  تجعل من الكيان الثقافي و الهوياتي و اللغوي للأخر مرتعا لها  و مادة دسمة  تستدرك به فشلها التاريخي و الوجودي .
و كما يقال لكل مقال مقام، فإن المقام الثقافي و الفكري و السياسي الذي نعيشه هذه الأيام تطفو إلى سطحه كتابات تريد أن تحيي جدلا قد حسم علميا و فكريا و دستوريا  و تحاول أن تصطاد في المياه العكرة في أفق أن تجد لنفسها موطأ قدم أو بالأحرى موطأ أصبع وسط واقع جديد متقدم يستشرف المستقبل بناء على ما تحقق و يجعل من احترام الهوية  و اللغة و الاختلاف الثقافي عنصر قوة و حافزا لإقلاع في شتى المجالات ، هذا المد التشويشي على ورش إدماج اللغة الأمازيغية داخل نسق الحياة العامة يحمل أكثر من دلالة و يزيل اللثام عن ما ستره الجو السياسي العام الذي كان سائدا و كشف الأقنعة عن الرافضين للتعدد اللساني الذي يعد من ايات الله في خلقه و حقيقة واقعية، و قد اتخذ هذا التشويش عدة مظاهر و اعتمد على فرضيات يعتبرها علمية أحيانا و إيديولوجيا في أغلب  الأحيان و فيما يلي ادعاءاتهم :
  معيرة اللغة الأمازيغية خطأ كبير
 و أقول إن مشروعية معيرة اللغة الأمازيغية (المعيرة المتعددة : إدماج الخصوصيات الفرعية داخل نموذج أو معيار يشكل مرجعا للكل في التواصل الكتابي و الشفوي ) مستمدة من الدراسات العلمية المتخصصة(اللسانيات ,اللسانيات الاجتماعية ,.....) التي تراكمت منذ عقود، و من  وضعيتها السوسيولسانية حيث أن  تدريس اللغة الغير المعيارية في سياق متعدد اللغات و اللهجات تواجهه إكراهات لسانية و سوسيولسانية،  إلا أن هذا التدبير اللغوي ( معيرة اللغة الأمازيغية ) يطرح إشكالية ازدواجية لغة الناطقين  بين اللغة المتداولة داخل الفضاء المدرسي و في الإعلام(اللغة المعيارية) و بين اللغة المتداولة داخل الفضاء الأسري (اللهجة المحلية) و هو  إشكالي تعاني جل  لغات العالم في انتظار عامل الزمان للتخفيف من أثاره و لعل  السياسية اللغوية التي تنتهجها الدولة هي الضامنة و الحاسمة في إنجاح هذا المشروع المجتمعي من خلال إعادة النظر في مقاربتها للغة الأمازيغية في الحقلين التربوي والإعلامي و تفعيل مضمون الدستور بسن و شرعنة قوانين منظمة.
و أغرب ما قرأته  في هذا الصدد مقالات يستدل كتابها بشهادات و أقوال لمفكرين في مجالات لا  تمت للغة الامازيغية بصلة و يجعلونها منطلقا لرأيهم و تصورتهم و يتهمون المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بالتقصير و الاستعجال متناسين أنها مؤسسة مختصة و منشئة بظهير و سخرت لها كل الإمكانيات بما فيها الموارد البشرية المتخصصة (فقهاء اللغة الامازيغية،  اللسانيين ، علماء الاجتماع ).
حرف تيفيناغ ليس حرفا أمازيغيا
و هنا يتبادر إلى الذهن سؤال تلقائي : ما هو الحرف الأمازيغي إذن ʕ قبل ان أسوق ما يتعلل به المناهضون لحرف تيفيناغ سأحيلكم دون تفصيل لضيق المقام على دلائل كون تيفيناغ حرف أمازيغي .
تيفيناغ هو الخط الأمازيغي الأصيل، ويمتد  إنتشاره من شمال السودان إلى جزر الكناري وصقلية والأندلس شمالا وتؤكد  الدراسات والأبحاث اللسانية والأركيولوجية والتاريخية أن اللغة الأمازيغية من بين أقدم اللغات التي عرفها التاريخ، حيث تؤكد العلامات الطوبونيمية أن تاريخ إختراعه يرجع إلى5000سنة قبل الميلاد و كانت الأبجدية الأمازيغية في مراحلها الأولى تتكون من 16حرفا صامتا وصارت 23 في عهد المملكة الأمازيغية النوميدية المازيلية والتي كان ماسينيسا أبرز ملوكها ،ثم أضيفت إليها في زمن متأخر حروف “صائتة” تسمى بالأمازيغية “تيدهاكين , كان الأمازيغ القدماء يكتبون بهذه الحروف على جدران الكهوف والصخور وقد تركوا لنا على الصفائح الحجرية ما يزيد عن ألف نقش فيها ما هو مصحوب بترجمته ألاتنية أو البونية في كل من الجزائر وتونس  و المغرب.... يساير انتشار الكتابة الأمازيغية التوزيع الجغرافي لمواقع النقوش الصخرية في بلاد الأمازيغ، ففي المغرب تتوزع انطلاقا من “فكيك” “شرقا” إلى “أوسرد” بالصحراء المغربية جنوبا مرورا بمواقع الأطلس الكبير ومنطقة درعة والأطلس الصغير ومنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب، وأكبر تجمع لهذه الكتابات الأمازيغية يوجد بموقع تيزولين وفم الشنا بمنطقة “درعة”. ويرى الباحثون أن أقدم الكتابات بالمغرب هي كتاب “غزيب ن ييس” التي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد على أقل تقدير
هناك من يسمي الحروف الأمازيغية  ”تيفيناغ” “بالتيفيناق” حيث كان يعتقد إلى وقت قريب أنها كتابة فينيقية ظهرت في القرن الثاني قبل الميلاد بفضل “ماسينيسا” ولكن مصطلح “تيفيناغ” يعني بالأمازيغية “اختراعنا” أو “ابتكارنا.

قولهم أن الحرف العربي هو الأنسب
و هنا يريدون أن يمارسوا الوصاية على اللغة الأمازيغية و جعلها عالة على غيرها ˛ منطلقين من أحكام مسبقة تمزج بين العلمي و الإيديولوجي حيث يعتبرون عدم اختيار الحرف العربي بمثابة كره للغة العربية و رفضها مما يدل على غياب المنهجية العلمية في أطروحتهم  فالقول إن الحرف العربي هو الانسب مردود عليهم، لإن الوضعية السوسيولسانية المميزة للمشهد اللغوي المغربي المتعدد لن يؤهل اللغة الامازيغية المكتوبة بالحرف العربي للتمتع بكينونتها المستقلة ، حيث أن غياب الرمز المستقل و المميز لها وسط لغات أخرى يعد تغييب للهوية البصرية و الامتداد المجالي و الزماني و ينذر باندثارها.
إذا كانت تركيا اختارت الحرف اللاتيني للغتها و إيران اختارت الحرف العربي لكتابة اللغة الفارسية فلأن المرحلة الزمنية انذاك لم تعرف سطوة العولمة  بل كانت الدول تعيش العزلة و الانغلاق مما اكسب لغتها المناعة و الاستقلالية ، كما أن هذه الدول لا تتميز بتنوع لساني يهدد اللغة المكتوبة بالحرف الاجنبي بخلاف وضعية اللغة الامازيغية و بالتالي فمن الحكمة تدوينها بحرفها الخاص.

الخلط  بين القضية و الأشخاص
هذه زلة اخرى تنم عن غياب التحليل الموضوعي و المنصف ، فالعقل السليم و المنطق البريء و الفطرة السليقة يفرض وضع الأشياء في مكانها الطبيعي و عدم جلد الامازيغية بمجرد اختلافنا إيديولوجيا مع بعض مناضليها ، أي ان نفرق بين القضية الأمازيغية  باعتبارها قضية شرعية و سلوكيات و فكر  الاشخاص المرتبطين بها ، و هذا عين الصواب .

اعتبار اللغة الامازيغية منافسة للغة العربية
يكتنف الغموض بعض المواقف الرافضة لإدماج  اللغة الامازيغية داخل الحياة العامة ، و خاصة أولائك الذين يعتبرون اللغة الامازيغية المنافسة القادمة لاحتلال مكانة اللغة العربية ، و هذه المواقف و إن اختلفت خلفياتها الفكرية فهي منافية للصواب  إذا علمنا ان أغلب الدول المتقدمة تتميز بالتنوع اللغوي و التعايش الإيجابي بينها و أن هذه الدول لم تجد ضالتها نحو الرقي إلا بعد تسوية الإشكالات اللغوية و الهوياتية و أعطت لمواطنيها الاحساس بالانتماء و الوجود الوجداني و الثقافي و هذه إجابة كذلك للذين يعتبرون ورش الامازيغية ليس بالأولوية في الوقت الحالي.





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire