lundi 24 décembre 2012



 نحو قراءة جديدة لفلسفة التربية
                       
لا شك أن التربية موضوع خصب شغل الفلاسفة و المهتمين بالشأن التربوي ،و ظل منذ القدم محط خلاف و تجاذب فكري بين مختلف العلماء و التيارات و التوجهات الفكرية و الفلسفية شأنه في ذلك شأن باقي المواضع التي تنتمي إلى العلوم الإنسانية التي تقارب عادة بمنطق نسبية الحقيقة ،و باعتبارها ظاهرة لصيقة بالإنسان فقد وفيت حقها كميا على الأقل من البحث و التمحيص و النقد و تكونت مدارس فكرية متعددة حاولت و لازالت تحاول أن تبلور تصورات حول مكانة الإنسان داخل المجتمع و ماهية التربية في ظل التحولات الاجتماعية و الثقافية و المعرفية وعن القيم و الاتجاهات التي نريد تمريرها للناشئة و عن النظم و الطرائق المنهجية  للتعليم و غيرها من المواضع ذات الصلة بالتربية ،و لعل الطبيعة الفلسفية  لهذه المواضع جعلتها من صلب اهتمامات الفلسفة بكل أطيافها و تخصيص لها فرعا فلسفيا يدعى فلسفة التربية (حديث التكوين بالمقارنة مع الفلسفة ذاتها ومع بعض العلوم الأخرى المرتبطة بالتربية)يتخذ التربية موضوعا له و يقاربها فلسفيا و ابستومولوجيا و مفاهيميا و إجرائيا.
 إن فلسفة المجتمع تبحث عن فهم عميق لحياة أفضل للإنسان و تقديم التصورات  والغايات و المثل العامة حولها عن طريق فلسفة التربية التي تضمن عادة استمرارية القيم و المعتقدات الفكرية و الايدولوجيا للطبقة السياسية  و تحدد الملامح  الشخصية المراد توفرها في الإنسان مستقبلا ،مما يدل على أهمية و خطورة فلسفة التربية في البناء المجتمعي ثقافيا و علميا و سياسيا و فكريا و دورها في إصلاح المنظومة التعليمية و الاجابة عن تساؤلات راهنة تمس البنية الفكرية و الأخلاقية للمجتمع حيث أضحت مدخلا أساسيا  للتغيير و الخروج من الازمة التي نعيشها ،فما هو دور  فلسفة التربية في إصلاح المنظومة التعليمية ʕو كيف تساهم في بناء مجتمع عصري متقدمʕ
يمكن القول جزما أن المنظومة التربوية الوطنية تعيش أزمة مركبة تتفاقم و وضعيتها يوما بعد يوم رغم المشاريع الإصلاحية المتتابعة  و التي  طغى عليها الطابع  المنهجي   و الإجرائي و إغفال البحث و التنقيب عن أساليب التدبير المتوازن يوفق بين الغايات العامة للمجتمع و الوضعية الحالية كمنطلق للتخطيط مع أخذ بعين الاعتبار المتغيرات الفكرية و الاجتماعية و الثقافية و الحقوقية بناء على مقاربة نقدية لذات المجتمع بالمقارنة مع إنجازات الأمم الأخرى ،مما يلح على ضرورة إحياء دور فلسفة التربية ،ذلك الوعاء الفكري و التنظيري المرشد للسياسات التربوية من خلال طرح الاشكالات المجتمعية في علاقتها بالنمو المعرفي و العلمي و التأصيل القيمي و التشبع بروح الانفتاح على الاخر و احترام التعدد الثقافي و اللغوي و تطوير ملكات النقد و البحث العلمي ،هذه الاشكالات المتنوعة باتت تؤرق مضجع المجتمع و تشكل تحديات حقيقية أمام السياسيين و المثقفين و الفلاسفة  والمهتمين بالتربية.
بشكل عام تتمحور اهتمامات فلسفة التربية  حول طبيعة الإنسان نفسه باعتباره المستهدف  في علاقته بطبيعة الحياة التي ينبغي أن تفضي إليها التربية  و بطبيعة المجتمع لكون التربية سيرورة اجتماعية وبطبيعة  الحقيقة التي تروم المعرفة النفاذ إليها ،و من هذا المنطلق يمكن أن تتبلور و تتضح الرؤيا حول مفهوم فلسفة التربية و دورها في التوفيق بين مختلف العلوم المرتبطة بالتربية وبناء تصور عام يكون بوصلة يحدد وجهة المخططات التربوية لخدمة المصالح العليا للمجتمع و ليس لطبقة بعينها ،لهذا ففلسفة التربية مطالبة من خلال المختصين بإعادة قراءة جديدة لمفاهيمها و مواضيع اهتماماتها في ظل المتغيرات الحديثة و إعداد تصور شامل و متكامل يتخذ  العلم و العقل  ركيزتين أساسيتين و يهدف إلى تكوين مواطن قادر على تجاوز المثبطات الداخلية و الخارجية و تحقيق تصالح المغربي مع ذاته الحضارية و التاريخية و الهوياتية و الاعتزاز بها ،من خلال تناول هذا الفرع الفلسفي لمواضع و إشكالات معاصرة بعقلية نقدية و موضوعية.
إذا كانت فلسفة التربية تعوزها الموضوعية و التجرد من الخلفيات  الاديولوجية
الفكرية في العقود السابقة فإنها اليوم تنعم بانفتاح نسبي يؤهلها لإعادة صياغة تساؤلاتها و أولوياتها و العمل على:
_تبوئ الفكر العلمي مكانة ريادية في السياسية التربوية لأهميته الكبيرة في التأصيل لمرجعية مجتمعية متقدمة تتعامل مع كل المستجدات بنوع من النقد و التمحيص قبل استدماجها و إضفاء عليها الشرعية ،و يعلمنا هذا المبدأ مثلا احترام التخصص العلمي إسناد الأمور إلى أهلها ،والتيقن قبل إصدار الاحكام ،و نبذ نشر الإشاعات مجهولة المصدر،و التعامل بمنطق الأفعال و ليس ردود الأفعال ،و يوفر علينا الوقت الذي نصرفه في نقاشات عقيمة لا تسمن و لا تغني ،و يعلمنا كيف نخطط للمستقبل و نثير مواضيع استراتيجية و مصيرية تهم المصلحة المشتركة ،فالتفكير العلمي يعد وقاية و معالجة لقضايا اجتماعية و فكرية و ثقافية أرهقت كل المحاولات الاصلاحية و ساهمت في استفحال التخلف.
 _بناء الثقة لدى الانسان المغربي  في نفسه أولا و ثم في ثقافته و هويته و انتمائه مما سيقوي حتما الضمير الجمعي للمجتمع دون السقوط في الاعتزاز الاجوف و الاعمى و الانغلاق حول الذات،إن الثقة التي أتحدث عنها لا يمكن ترسيخها بالشعارات و الكلام المعسول مما قد ينجم عنه انفصام الشخصية لاختلاف  المعاش عن المأمول،بل يجب ان توازيها إصلاحات حقوقية و اقتصادية تلامس اثارها على أرض الواقع ،ففقدان الثقة بالمفهوم الذي أثرته يغذي الشعور بالانهزامية النفسية و يشجع على تبادل الاتهامات بين الطبقات و الانتماءات الثقافية حول المسؤول عن تخلفنا و يتم ذلك بعيدا عن مقاربات منهجية علمية تتغي الحقيقة دون خلفيات و نوايا مبيتة.
_ضرورة ترسيخ لثقافة الاختلاف و احترام الاخر،و تتجلى أهمية هذا المبدأ خاصة في المستجدات السياسة  و ما أتى به الدستور من تغييرات جوهرية و التنصيص على التنوع اللغوي و الثقافي للمغرب و ترسيم اللغة الأمازيغية ،و رغم أن هذا المستجد السياسي المتأخر قد حسم مسألة كانت إلى وقت قريب محط تجاذب إيديولوجي و فكري بين دعاة الاعتراف بالثقافة الامازيغية و رواد إيديولوجية تمتهن الإقصاء و نفي الاخر فإن يعض الكتابات لازالت تنبش في الموضوع و تضييع الوقت و الجهد في أمور حسمت من كل الجوانب ،تؤدي ثقافة احترام التعدد(اللغوي و الثقافي)إلى غنى و قوة محفزة المضي قدما نحو الرقي و التطور.
تعد فلسفة التربية الأصل و المرجع لكل إصلاح جدي عن طريق إثارتها لمواضيع تهم مصير العملية التعليمية و بالتالي مصير الإنسان و مصير الحضارة و الثقافة المغربية بخصوصياتها و تنوعها ،مما يحتم ضرورة الاهتمام بها و إعطاءها الأولية في الدراسات و الأبحاث العلمية و جعلها مصدرا ينهل منه القائمين على المجال التربوي.




        






المثقفون الجدد



حين تتصفح و تتطلع على القيمة العلمية لما يكتب في المواقع الإلكترونية فإنك لا تحتاج إلى كثير من الفطنة و
 الفهم و النزق لتستشف أن واقع الحال يدل على تردي الاوضاع الثقافية والفكرية لبعض الكتابات ،فقد غابت الرزانة العلمية في الكتابة و الرواية ،و رحلت بعيدا الكلمة الهادفة و رحل معها الصدق في الكلام و التحليل و الإخلاص في الاخبار و ايصال المعلومة ،ففتحت الأبواب لكل من هب و دب ليقول ها أنا ذا موجود ،فقد غيب صوت ذلك المثقف الرصين و المبدع الأمين و الحريص على الحق و المفكر الهادئ و الهادف في تفكيره ،فبرز إلى السطح مثقفين على حين غرة من أهل الثقافة و الفكر فحجبوا الصورة عن اهل العلم و التخصص و تصدوا للتفلسف و الإفتاء في كل شيء إلا أن يفتوا في حالهم ،إنه حال المتثاقفين الجدد على وزن المتعالمين و المتطفلين و قد نسميهم مثقفي الاثارة و يجوز كذلك تسميتهم مثقفون على مقاس أو مثقفون بدون حقيبة على غرار بعض وزرائنا الأعزاء.
المثقفون الجدد يسهل التعرف عليهم فسماهم في كتاباتهم ،إنهم يحاولون أن يغوص في مواضع تدغدغ مشاعر الكثير من القراء ،يمارسون الماركوتينك لاستقطاب إعجاب الاخرين من خلال اختيار عناوين مثيرة و مغرية توحي للقارئ بأن الاتي في النص سيغني عن قراءة مئات الكتب و المجلات ،يدعون أنهم الملجأ الوحيد للمعرفة المطلقة وغيرهم ضال و جاهل.
و لكي أبلغ المراد و أوضح المبتغى و المنشود من رسالتي فإنني مضطر للاستشهاد بمثال حي و ملموس حتى تنكشف لنا الرؤية  و سيسعفنا في ذلك مثال ينبش فيه كل آت من فج عميق باحثا عن شهرة سريعة و إثارة مجانية و رخيصة تعفيه عن سهر الليال من أجل العلم و التعلم و لو كلفه ذلك عدم احترام اختيارات الاخرين و ثقافتهم و هويتهم و لغتهم دونما اعتبار للملة و الدين ،لقد أخرجت   القضية الامازيغية من جب عميق أناس غابرين كانوا إلى وقت قريب نكرة ،أخرجتهم إلى الوجود على الساحة الثقافية (على مقاس)و عوض رد جميلها بدؤوا بجلدها ،لقد أكستهم و لنقل اكتسوا  منها حلة المثقف الفلاني و المفكر الفلاني و الباحث الفلاني و المهتم الفلاني.....و المتطفل الفلاني....لقد أصبحت شغل من لا شغل له و مأوى أمن لكل يتيم من أب فكري و أم ثقافية و عابر سبيل أخطأ طريق العلم الموضوعي والبحث العلمي الحقيقي ،إنها باتت مادة دسمة يدهن بها المثقفون الجدد أيديهم و ريشتهم لتسهل عليهم عجن سمموهم و تقديمها إلى القراء في صورة أفكار غيورة على الوطن (ما أغيرهم )و أفكار علمية صادقة و أراء نقد بناء ،إنهم أناس تملكهم حب الظهور فأعماهم بصيرتهم فأثروا التضليل و الإثارة على البحث العلمي الدقيق و احترام المنهجية الصحيحة و مقارعة الدليل بالدليل و الحجة بالحجة.
فما معنى أن يتقدم مثقف جديد فيتصدر لإفتاء في واقع الامازيغية فيخون المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بترسانته العلمية و الباحثين المتخصصين في كل المجالات و يتهمه بالتقصير و التسرع و التعصب وووووو...........و يجلد اللغة الامازيغية المعيارية دون أن يفهم معناها (المعيرة المتعددة : إدماج الخصوصيات الفرعية داخل نموذج أو معيار يشكل مرجعا للكل في التواصل الكتابي و الشفوي ) و يتطاول على الحرف الأمازيغي تيفيناغ دون معرفة تاريخه(و هنا أفتح القوس لأشير لأغرب ما قرأت حيث كتب أحدهم نصا و عنونه بسؤال :هل تيفيناغ حرف مغربي ؟و على هذا المنطق ستتخلى جميع الدول عن الحرف اللاتيني لصالح فرنسا....و هل للحرف موطن رسمي أصلا ) و نتائج علم الآثار الذي لا تحكمه  الأهواء الشخصية و لا أملاءات الاديولوجية المقيتة ،و ينكر على المطالبين بتدريسها و يدعوهم بالمتعصبين و أصحاب المصالح الشخصية و العملاء للصهاينة و.....و.....إنه يتوفر على من تيكيتات من كل الأصناف و المقاسات من الاتهامات و الاحكام يوزعها لمن يشاء وقت ما شاء ،فلله في خلقه شؤون.
فهل إجادة استعمال اللغة و محاسن الكلام و بدائعه يمنح الأهلية لكل مثقف جديد ليكون ملما  بخبايا كل شيء فينكر و يخون و يصوب و يفتي.....و كأن العالم كله جاهل في حاجة إلى علمه ،أليس هذا من صميم الجهل ذاته ( أخطر الجهل جهل النفس و حقيقتها و مقامها العلمي أكبر الجهل جهلكأكبر افيث كتب أحدهم نصا و عنونه بسؤال ...و يجلد اللغة الامازيغية المعيارية دون أن يفهم معناها (ت)،ألم تحسم المسألة الأمازيغية و كل ما يتعلق بها و قال المختصين و أهلها كلمتهم ،فلماذا يحاول المتثاقفون الجدد اجترار الماضي ،و يحاولون إثارة بعض الامور التافهة كقولهم عن غلبة السوسية على اللهجات الأخرى و هذا ادعاء باطل (أنا امازيغي الاطلس و اجد أن لهجتي لا تختلف عن اللغة المعيارية و لا وجود لطغيان لهجة على الاخرين إلا في تفكير بعض المثقفين الجدد).
إن اللغة الأمازيغية قد أخذت طريقها الصحيح نحو المستقبل ،لقد بدأ التدريس بحرف تيفيناغ منذ سنوات و كتبت المؤلفات بالإمازيغية ،و أعدت الميكروسوفت الويندوز بالإمازيغية وووو....بكل بساطة لقد أصبحت اللغة الامازيغية لغة قائمة بذاتها تساير العصر بخطى ثابتة ما دام هناك أوفياء يحبونها و يعملون ليلا و نهارا على تطويرها دون انتظار مقابل سوى أنهم يؤمنون بأن الوعي بالهوية و الذات الحضارية يعتبر حياة لإنسان و للأمة و أن اختلاف الألسن من آيات الله عز و جل في خلقه.
إن اللغة الأمازيغية العريقة بثقافتها و حضارتها و حرفها تيفيناغ لا تحتاج إلى نصائح مسمومة مبنية على أحكام مسبقة.


dimanche 16 décembre 2012




عندما تدنس اللغة بالايدولوجيا








إن من أهم مسلمات الأمانة العلمية  تحري الصدق فيما يروى و يكتب، و لن يتأتى ذلك إلا عن طريق كمال العلم و المعرفة و الإدراك بالموضوع، و هي شروط لا تتحقق إلا إذا احترم التخصص العلمي و الفكري و أسند ت الأمور إلى أهلها و ذويها ( أهل مكة أدرى بشعبها ) و بهذا المنطق يعلى من شأن المنهجية العلمية الصارمة و التوظيف السليم لآليات البحث و النقد المفضي حتما إلى نتائج مقبولة  توافق العقل و المنطق في تناغم تام مع الواقع المعاش، عوض التضليل بمحاسن الكلام و بدائع اللغة و العزف على وتر العواطف و دغدغة المشاعر لخدمة إيديولوجية إقصائية  تجعل من الكيان الثقافي و الهوياتي و اللغوي للأخر مرتعا لها  و مادة دسمة  تستدرك به فشلها التاريخي و الوجودي .
و كما يقال لكل مقال مقام، فإن المقام الثقافي و الفكري و السياسي الذي نعيشه هذه الأيام تطفو إلى سطحه كتابات تريد أن تحيي جدلا قد حسم علميا و فكريا و دستوريا  و تحاول أن تصطاد في المياه العكرة في أفق أن تجد لنفسها موطأ قدم أو بالأحرى موطأ أصبع وسط واقع جديد متقدم يستشرف المستقبل بناء على ما تحقق و يجعل من احترام الهوية  و اللغة و الاختلاف الثقافي عنصر قوة و حافزا لإقلاع في شتى المجالات ، هذا المد التشويشي على ورش إدماج اللغة الأمازيغية داخل نسق الحياة العامة يحمل أكثر من دلالة و يزيل اللثام عن ما ستره الجو السياسي العام الذي كان سائدا و كشف الأقنعة عن الرافضين للتعدد اللساني الذي يعد من ايات الله في خلقه و حقيقة واقعية، و قد اتخذ هذا التشويش عدة مظاهر و اعتمد على فرضيات يعتبرها علمية أحيانا و إيديولوجيا في أغلب  الأحيان و فيما يلي ادعاءاتهم :
  معيرة اللغة الأمازيغية خطأ كبير
 و أقول إن مشروعية معيرة اللغة الأمازيغية (المعيرة المتعددة : إدماج الخصوصيات الفرعية داخل نموذج أو معيار يشكل مرجعا للكل في التواصل الكتابي و الشفوي ) مستمدة من الدراسات العلمية المتخصصة(اللسانيات ,اللسانيات الاجتماعية ,.....) التي تراكمت منذ عقود، و من  وضعيتها السوسيولسانية حيث أن  تدريس اللغة الغير المعيارية في سياق متعدد اللغات و اللهجات تواجهه إكراهات لسانية و سوسيولسانية،  إلا أن هذا التدبير اللغوي ( معيرة اللغة الأمازيغية ) يطرح إشكالية ازدواجية لغة الناطقين  بين اللغة المتداولة داخل الفضاء المدرسي و في الإعلام(اللغة المعيارية) و بين اللغة المتداولة داخل الفضاء الأسري (اللهجة المحلية) و هو  إشكالي تعاني جل  لغات العالم في انتظار عامل الزمان للتخفيف من أثاره و لعل  السياسية اللغوية التي تنتهجها الدولة هي الضامنة و الحاسمة في إنجاح هذا المشروع المجتمعي من خلال إعادة النظر في مقاربتها للغة الأمازيغية في الحقلين التربوي والإعلامي و تفعيل مضمون الدستور بسن و شرعنة قوانين منظمة.
و أغرب ما قرأته  في هذا الصدد مقالات يستدل كتابها بشهادات و أقوال لمفكرين في مجالات لا  تمت للغة الامازيغية بصلة و يجعلونها منطلقا لرأيهم و تصورتهم و يتهمون المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بالتقصير و الاستعجال متناسين أنها مؤسسة مختصة و منشئة بظهير و سخرت لها كل الإمكانيات بما فيها الموارد البشرية المتخصصة (فقهاء اللغة الامازيغية،  اللسانيين ، علماء الاجتماع ).
حرف تيفيناغ ليس حرفا أمازيغيا
و هنا يتبادر إلى الذهن سؤال تلقائي : ما هو الحرف الأمازيغي إذن ʕ قبل ان أسوق ما يتعلل به المناهضون لحرف تيفيناغ سأحيلكم دون تفصيل لضيق المقام على دلائل كون تيفيناغ حرف أمازيغي .
تيفيناغ هو الخط الأمازيغي الأصيل، ويمتد  إنتشاره من شمال السودان إلى جزر الكناري وصقلية والأندلس شمالا وتؤكد  الدراسات والأبحاث اللسانية والأركيولوجية والتاريخية أن اللغة الأمازيغية من بين أقدم اللغات التي عرفها التاريخ، حيث تؤكد العلامات الطوبونيمية أن تاريخ إختراعه يرجع إلى5000سنة قبل الميلاد و كانت الأبجدية الأمازيغية في مراحلها الأولى تتكون من 16حرفا صامتا وصارت 23 في عهد المملكة الأمازيغية النوميدية المازيلية والتي كان ماسينيسا أبرز ملوكها ،ثم أضيفت إليها في زمن متأخر حروف “صائتة” تسمى بالأمازيغية “تيدهاكين , كان الأمازيغ القدماء يكتبون بهذه الحروف على جدران الكهوف والصخور وقد تركوا لنا على الصفائح الحجرية ما يزيد عن ألف نقش فيها ما هو مصحوب بترجمته ألاتنية أو البونية في كل من الجزائر وتونس  و المغرب.... يساير انتشار الكتابة الأمازيغية التوزيع الجغرافي لمواقع النقوش الصخرية في بلاد الأمازيغ، ففي المغرب تتوزع انطلاقا من “فكيك” “شرقا” إلى “أوسرد” بالصحراء المغربية جنوبا مرورا بمواقع الأطلس الكبير ومنطقة درعة والأطلس الصغير ومنطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب، وأكبر تجمع لهذه الكتابات الأمازيغية يوجد بموقع تيزولين وفم الشنا بمنطقة “درعة”. ويرى الباحثون أن أقدم الكتابات بالمغرب هي كتاب “غزيب ن ييس” التي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد على أقل تقدير
هناك من يسمي الحروف الأمازيغية  ”تيفيناغ” “بالتيفيناق” حيث كان يعتقد إلى وقت قريب أنها كتابة فينيقية ظهرت في القرن الثاني قبل الميلاد بفضل “ماسينيسا” ولكن مصطلح “تيفيناغ” يعني بالأمازيغية “اختراعنا” أو “ابتكارنا.

قولهم أن الحرف العربي هو الأنسب
و هنا يريدون أن يمارسوا الوصاية على اللغة الأمازيغية و جعلها عالة على غيرها ˛ منطلقين من أحكام مسبقة تمزج بين العلمي و الإيديولوجي حيث يعتبرون عدم اختيار الحرف العربي بمثابة كره للغة العربية و رفضها مما يدل على غياب المنهجية العلمية في أطروحتهم  فالقول إن الحرف العربي هو الانسب مردود عليهم، لإن الوضعية السوسيولسانية المميزة للمشهد اللغوي المغربي المتعدد لن يؤهل اللغة الامازيغية المكتوبة بالحرف العربي للتمتع بكينونتها المستقلة ، حيث أن غياب الرمز المستقل و المميز لها وسط لغات أخرى يعد تغييب للهوية البصرية و الامتداد المجالي و الزماني و ينذر باندثارها.
إذا كانت تركيا اختارت الحرف اللاتيني للغتها و إيران اختارت الحرف العربي لكتابة اللغة الفارسية فلأن المرحلة الزمنية انذاك لم تعرف سطوة العولمة  بل كانت الدول تعيش العزلة و الانغلاق مما اكسب لغتها المناعة و الاستقلالية ، كما أن هذه الدول لا تتميز بتنوع لساني يهدد اللغة المكتوبة بالحرف الاجنبي بخلاف وضعية اللغة الامازيغية و بالتالي فمن الحكمة تدوينها بحرفها الخاص.

الخلط  بين القضية و الأشخاص
هذه زلة اخرى تنم عن غياب التحليل الموضوعي و المنصف ، فالعقل السليم و المنطق البريء و الفطرة السليقة يفرض وضع الأشياء في مكانها الطبيعي و عدم جلد الامازيغية بمجرد اختلافنا إيديولوجيا مع بعض مناضليها ، أي ان نفرق بين القضية الأمازيغية  باعتبارها قضية شرعية و سلوكيات و فكر  الاشخاص المرتبطين بها ، و هذا عين الصواب .

اعتبار اللغة الامازيغية منافسة للغة العربية
يكتنف الغموض بعض المواقف الرافضة لإدماج  اللغة الامازيغية داخل الحياة العامة ، و خاصة أولائك الذين يعتبرون اللغة الامازيغية المنافسة القادمة لاحتلال مكانة اللغة العربية ، و هذه المواقف و إن اختلفت خلفياتها الفكرية فهي منافية للصواب  إذا علمنا ان أغلب الدول المتقدمة تتميز بالتنوع اللغوي و التعايش الإيجابي بينها و أن هذه الدول لم تجد ضالتها نحو الرقي إلا بعد تسوية الإشكالات اللغوية و الهوياتية و أعطت لمواطنيها الاحساس بالانتماء و الوجود الوجداني و الثقافي و هذه إجابة كذلك للذين يعتبرون ورش الامازيغية ليس بالأولوية في الوقت الحالي.





lundi 10 décembre 2012


 معيرة اللغة الأمازيغية ...اخت استراتيجي

       


أثمر السجال الفكري الكبير و التجاذب الإيديولوجي بين الفعاليات المختلفة الخلفيات و المشارب  غداة انفتاح الموقف الرسمي  على المكون الأمازيغي هوية و ثقافة و لغة عن إجماع سياسي و حزبي و مدني  متمثل في اعتماد حرف تيفيناغ حرفا أمازيغيا وحيدا و الأنسب لتدوين اللغة الامازيغية و التواصل بها ،و تهيئة اللغة من منظور المقاربة المعيارية المتعددة ، و هي مقاربة مفاهيمية و إجرائية تم استعارتها من الدراسات السوسيولسانيات الكورسيكية و تتمحور حول تنوع اللهجات من زاوية الواحد و المتعدد ,و تبلورت الرؤية الإستراتيجية لمستقبل اللغة الأمازيغية و وضعها الاجتماعي انطلاقا من الدراسات المختلفة التي راعها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في إطار الصلاحيات الممنوحة له.
و رغم هذا الحسم الرسمي و الشعبي و الفكري  في شكل كتابة اللغة الأمازيغية(اعتماد حرف تيفيناغ) و  وضعيتها السوسيولسانية في إطار البولينوميا ، لم تسلم هذه الاختيارات الاستراتيجية من انتقادات ذات خلفيات سياسوية بالأساس تتخندق داخل إطار فكري و إديولوجي ضيق الأفق و تخذله  المنهجية العلمية الدقيقة  لإثبات صحة أطروحته ذات طابع تشويشي على ورش إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية و الإعلامية  ، و تحفل  الصحافة الورقية و الإلكترونبة والندوات و المؤتمرات بمثل هذه المواقف التي تغيب عنها الدقة المنهجية و الأمانة العلمية و مبدأ احترام التخصص.
 إن مشروعية معيرة اللغة الأمازيغية (المعيرة المتعددة : إدماج الخصوصيات الفرعية داخل نموذج أو معيار يشكل مرجعا للكل في التواصل الكتابي و الشفوي ) مستمدة من الدراسات العلمية المتخصصة التي تراكمت منذ عقود ، و من  وضعيتها السوسيولسانية حيث أن  تدريس اللغة الغير المعيارية في سياق متعدد اللغات و اللهجات تواجهه إكراهات لسانية و سوسيولسانية   ، إلا أن هذا التدبير اللغوي ( معيرة اللغة الأمازيغية ) يطرح إشكالية ازدواجية لغة الناطقين  بين اللغة المتداولة داخل الفضاء المدرسي و في الإعلام(اللغة المعيارية) و بين اللغة المتداولة داخل الفضاء الأسري(اللهجة المحلية) و هو  إشكالي تعاني منه العديد من لغات العالم في انتظار عامل الزمان للتخفيف من اثاره  ، و لعل السياسية اللغوية التي تنتهجها الدولة هي الضامنة و الحاسمة في إنجاح هذا المشروع المجتمعي من خلال إعادة النظر في مقاربتها للغة الأمازيغية في الحقلين التربوي والإعلامي و تفعيل مضمون الدستور بسن و شرعنة قوانين منظمة .
تتجلى أهمية المقاربة البولينوميا في كونها تسعى إلى إبراز الوحدة اللغوية الأمازيغية مع مراعاة تنوعها النحوي و الصرفي و المعجمي واضعة معيرة اللغة هدفا منشودا في المدى البعيد  ، فمشروع 'معيرة اللغة الامازيغية ' ينطلق من وضعية لسانية تتميز بالتنوع و يشكل رهان التقريب بين فروع اللغة الأمازيغية أولوية للوصول إلى لغة موحدة ، و من حسنات هذا المنظور أنه ينمي المشترك بين  الفروع اللسانية(الوحدة العميقة للغة الأمازيغية) دون إهمال للخصوصيات المحلية مما يجعل كل الناطقين يحسون بانتمائهم اللساني إلى اللغة المعيارية ، و يضمن نجاح المشروع مستقبلا.
إن التدخل في الشأن اللغوي يمكن أن يتم على مستوى اللغة ذاتها (الإملائية  ، النحو...) أو على مستوى وضع اللغة و دورها الاجتماعي أو على المستويين معا ،فاللجوء إلى هذا الإجراء  ليس بدعة مستحدثة بل إن تاريخ اللغات حافل بتجارب  ناجحة متباينة من حيث أشكال و أهداف تدخلها,و لقد اختارت تركيا الحرف اللاتيني للغتها  ، و قامت نرويج بتحديث إملائية لغتها ، و خضعت اللغة اليونانية لتهيئة في النطق و الصرف ،هذه التدخلات في اللغة لا مفر منها نظرا للتعدد اللغوي الذي يطبع جل بقاع العالم  و الاتصال و الاحتكاك اليومي بين اللغات أو بسبب انتقال اللغة من لغة شفوية إلى لغة كتابية  ، و هي وضعية سوسيولسانية تعيشها اللغة الأمازيغية و لولا خصوصياتها لما بقيت حية متداولة ، حيث تتمتع بالقوة الذاتية و الأنا الحضارية الصلبة جعلت منها صامدة لآلاف السنين رغم تواجدها دوما إلى جانب لغات رسمية  تقوت بفضل الحظوة السياسية و الاقتصادية و الثقافية التي منحت لها في إطار ربط اللغوي بالإيديولوجي من طرف الأنظمة الحاكمة منذ الحكم الروماني.

لقد حسم  المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في اختياره بمعية المتخصصين و فقهاء اللغة الأمازيغية و علماء الاجتماع و غيرها من العلوم ذات الصلة و هم أدرى بالقرار ، و بالتالي يتوجب على  كل ناقد احترام التخصص و عدم الإفتاء في أمور بعيدة عن مجال اهتمامه