mercredi 23 janvier 2013





لماذا فشلت المدرسة العمومية في تدريس اللغات؟






 فالإضافة إلى اللغة العربية الفصحى و اللغة الامازيغية المعيارية ،يتميز المشهد اللساني التداولي المغربي،كباقي أقطار المعمور ،بالتنوع و التعدد من رقعة جغرافية إلى أخرى تبعا للتقسيم التقليدي المبني على التوزيع حسب الامتداد الجغرافي للتكتلات اللغوية البارزة ،فنعمد غالبا إلى التمييز بين الفروع الامازيغية الثلاثة ،السوسية في الجنوب و تمزيغت في الاطلس و الريفية في الشمال ،و اللغة العربية العامية(الدارجة )بكل أطيافها و تنوعاتها بالإضافة إلى الحسانية في الصحراء،و يروم هذا التقسيم ،رغم محدودية نجاعته علميا ،إلى رسم صورة عامة و شمولية للوضعية السوسيولسانية الوطنية  دون التطرق إلى الجيوب اللغوية المتاخمة للمناطق اللسانية الكبرى السالفة الذكر،و تشكل هذه الحدود اللغوية نتاج طبيعي لصيرورة التثاقف و الاحتكاك اللغوي على مر التاريخ ،ينضاف إلى هذا التداخل بين اللغات الوطنية ،و بوثيرة متفاوتة ،تأثير اللغات الاجنبية على الرصيد المعجمي و التركيبي و الصوتي المحلي من خلال تضافر عوامل تاريخية و سياسية ،فكانت النتيجة انسلال الدخيل و تبنيه لغويا ليصبح مقترضا مستساغا لسانيا لدى العامة ،فبعض المفردات التي كانت متداولة و تعتبر من اللغة قديما أصبح مردودها التواصلي  اليوم ضعيفا بل ينعدم أحيانا.
يشكل هذا التنوع و هذا التداخل اللغوي جوهر الاشكاليات التي تواجه البحث اللساني و الديداكتيكي الموجه لتدريس اللغات تبعا لوظيفتها السوسيولسانية و موقعها في السياق التداولي المجتمعي ،و يبرز هذا المعطى الواقعي في ضعف جودة تعليم اللغات في المدرسة العمومية و تدني مستوى المتعلمين خاصة في الاوساط الهامشية  ،و لاشك أن هذه الوضعية تطرح ،من خلال مدخلين ،تساؤلات مصيرية بالنسبة للغات الوطنية الهوياتية و مدى قدرة المدرسة المغربية كسب رهان الحفاظ و المحافظة عليها من جهة وعلى التحكم في اللغات الاجنبية باعتبار تعلمها ضرورة حتمية في العصر الراهن ،حيث يتجلى المدخل الاول في الحاجة إلى اعادة توصيف وظيفة كل لغة داخل النسق اللساني الوطني و علاقتها بالفروع اللغوية الاخرى لما لهذه الخطوة من تأثير على الابحاث الديداكتيكية  مضمونا و منهجية ،فإعداد ديداكتيك اللغة ،تبعا لما سبق ،يقتضي في البدء معرفة دقيقة بهذه اللغة ،أما المدخل الثاني فهو مرتبط  بتكييف المقاربات الديداكتيكية مع وظيفة كل لغة و حدود حضورها و امتدادها في المحيط السوسيوثقافي للفضاء المدرسي.
إن تناول بالدراسة  وظيفة اللغة في السياق التداولي المغربي و علاقته بالاجتماعي و الثقافي و السياسي ليس ترفا علميا و لا فكريا  و لا إعادة ميكانيكية لإنتاج الواقع بل هو ضرورة ملحة و يدخل ذلك في مهام الباحثين اللسانيين و السوسيولسانيين المغاربة العارفين للواقع اللغوي المغربي قصد بلورة تصورات واضحة و قابلة للتطبيق ،ذلك ،أن تدريس لغة معينة في سياق يطبعه التعدد اللغوي يحتاج إلى سبر ما تمتاز بها و تصنيفها انطلاقا من مميزاتها ،حيث أن لغة الام في نظر المتعلم الذي تربطه بها علاقة وجدانية وحميمية لها من المواصفات ما يجعلها مختلفة عن اللغة الاجنبية ،و ما يقال عن اللغة الحية المتداولة لا يمكن تطبيقه على اللغة الغير المتداولة اجتماعيا ،و اللغة العربية تعتبر لغة أجنية للتلميذ في اعالي جبال الاطلس أما اللغة الامازيغية فهي لغة أجنية للتلميذ الساكن في الدار البيضاء مثلا ...كلها اعتبارات لابد أن تنال المزيد من الاهتمام و البحث العلمي و لاسيما أن خلاصات هذه الابحاث تعد من الروافد الاساسية لعلم ديداكتيك اللغات.
فمن وجهة نظر الممارس الفعلي و المتخصص ،فإن ديداكتيك اللغات عامة و لغات الهوية خاصة تشوبه مجموعة من الاعتلالات على مستوى المضمون كما على مستوى المنهجية تؤثر سلبا على وثيرة تعلم التلاميذ و تختلف حدتها حسب المناطق وحسب المحيط  المدرسي ،و مرد ذلك ،إلى التنميط و عدم أخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي سبق و أن أثرناها و المتعلقة باللغة و وظيفتها و مدى قربها أو بعدها من الحياة اليومية للمتعلم.
إن افتراض "الوحدة " في انتماءات متعلمي المغرب اللغوية و الثقافية ،و تبني مقاربة تعميمية أثناء وضع ديداكتيك اللغات و توحيد المضمون المعرفي و ما يرافقه من الحوامل البيداغوجيا و اليات التدريس ،يعد تغييب للظروف الثقافية و الهوياتية للمتعلم و ضرب من العبث العلمي في تعليم الناشئة و وجه من أوجه اللامساواة و إهمال مبدأ تكفؤ الفرص بين تلاميذ المغرب في اكتساب و تعلم اللغات ،فإذا كان علم الديداكتيك المعاصر بصفة عامة ذو نزوع إجرائي و برغماتي يتحاشى الاختزالية في التعامل مع الوقائع و الظواهر ذات علاقة بالمتعلم و المادة المعرفية فإن ممارسته ،في الاصلاحات التعليمية ،ظل وفيا لنهجه التقليدي ،في شقه التخطيطي ،القائم على إسقاط نظريات معاصرة على واقع مخالف لمنشئه و بالتالي إبعاد للخصوصيات المحلية.
يرتبط تأهيل تعليم اللغات المدرسية و تحقيق قيمتها الاتصالية و المعرفية  بمدى احترام الخصوصيات الاجتماعية و الثقافية و النفسية للمتعلم من جهة و تحديث الاليات اللغوية المناسبة لكل وضعية تعليمية معينة من جهة اخرى ،و هي مسألة لازالت تثار بشكل محتشم في النقاش الدائر حول أصلاح التعليم و لا تعدو أن تكون عناوين نظرية جافة لم تجد لها طريقها الصحيح نحو التطبيق ،لأن ما يحتاجه ديداكتيك اللغات في هذه الجزئية هو ضرورة تنويع المناهج و الكتب الدراسية و تكييفها مع البيئة اللغوية المحيطة بالتلميذ و ظروف عيشه ،و لهذا بات لزاما التمييز ،في النموذج المغربي ،بين ديداكتيك اللغة الامازيغية الموجه للمتعلمين الناطقين بها و الموجه للغير الناطقين ،و التمييز كذلك بين ديداكتيك اللغة العربية الموجه للتلاميذ الناطقين باللغة الامازيغية و التلاميذ الناطقين بإحدى فروع اللغة العربية العامية ،و لاشك أن تضمين مناهج اللغة هذه الاعتبارات يعد احترام لكيان الطفل و حقه الطبيعي في التعلم بنجاعة و فعالية و احدى اوجه دمقرطة المعرفة و أشكال ولوجها.
بقيت الاشارة ان تعليم اللغة و تعلمها يعد وسيلة و غاية في نفس الوقت ،حيث ان تحقيق الجودة في تدريسها له انعكاسات و امتدادات ايجابية على تدريس المواد الاخرى ،و بناءا على هذه المكانة الاعتبارية يجب أن يحظى ديداكتيك اللغات بالأهمية القصوى لاسيما و أن لغاتنا في الوقت الراهن تتطلب التركيز على الابحاث العلمية و نتائجها في ما يفيدها و يضمن حياتها في ظل العولمة و الصراع اللغوي العالمي ،و تفادي الانزياح نحو تجاذبات اديولوجية عقيمة تفقد اللغات قدسيتها و وظيفتها الطبيعية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire